للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمُشْرِكِينَ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ فَجَزِعَ عَلَيْهِ أَبُوهُ وَامْرَأَتُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ.

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ

السُّورَةَ كُلَّهَا نَزَلَتْ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ

. وَقِيلَ: إِنَّ آيَةَ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ [العنكبوت: ١٠] نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنْ ضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ بِمَكَّةَ كَانُوا إِذَا مَسَّهُمْ أَذًى مِنَ الْكُفَّارِ وَافَقُوهُمْ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ وَأَظْهَرُوا لِلْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا عَلَى إِسْلَامِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ تَفْسِيرِهَا.

وَقَالَ فِي «الْإِتْقَانِ» : وَيُضَمُّ إِلَى مَا اسْتُثْنِيَ مِنَ الْمَكِّيِّ فِيهَا قَوْلُهُ تَعَالَى وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا [العنكبوت: ٦٠] لِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ كَانُوا بِمَكَّةَ بِالْمُهَاجَرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالُوا كَيْفَ نَقْدَمُ بَلَدًا لَيْسَتْ لَنَا فِيهِ مَعِيشَةٌ فَنَزَلَتْ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا [العنكبوت: ٦٠] .

وَقِيلَ: هَذِهِ السُّورَةُ آخِرُ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَهُوَ يُنَاكِدُ بِظَاهِرِهِ جَعْلَهُمْ هَذِهِ السُّورَةَ نَازِلَةً قَبْلَ سُورَةِ الْمُطَفِّفِينَ. وَسُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ آخِرُ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ ابْتِدَاءَ نُزُولِ سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ قَبْلَ ابْتِدَاءِ نُزُولِ سُورَةِ الْمُطَفِّفِينَ ثُمَّ نَزَلَتْ سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ كُلُّهَا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ تَنْزِلُ فِيهَا سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ ثُمَّ تَمَّ بَعْدَ ذَلِكَ جَمِيعُ هَذِهِ السُّورَةِ.

وَهَذِهِ السُّورَةُ هِيَ السُّورَة الْخَامِسَة والثامنون فِي تَرْتِيبِ نُزُولِ سُوَرِ الْقُرْآنِ نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الرُّومِ وَقَبْلَ سُورَةِ الْمُطَفِّفِينَ، وَسَيَأْتِي عِنْدَ ذِكْرِ سُورَةِ الرُّومِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعَنْكَبُوتَ نَزَلَتْ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ إِحْدَى قَبْلَ الْهِجْرَةِ فَتَكُونُ مِنْ أُخْرَيَاتِ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ بِحَيْثُ لَمْ يَنْزِلْ بَعْدَهَا بِمَكَّةَ إِلَّا سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ.

وَآيَاتُهَا تِسْعٌ وَسِتُّونَ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِ الْعَدَدِ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ.

أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

افْتِتَاحُ هَذِهِ السُّورَةِ بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ يُؤْذِنُ بِأَنَّ مِنْ أَغْرَاضِهَا تَحَدِّي الْمُشْرِكِينَ بِالْإِتْيَانِ بِمِثْلِ سُورَةٍ مِنْهُ كَمَا بَيَّنَّا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَجِدَالُ الْمُشْرِكِينَ فِي أَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ الْأَصْلُ فِيمَا حَدَثَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ مِنَ الْأَحْدَاثِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِالْفِتْنَةِ فِي قَوْلِهِ هُنَا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ [العنكبوت: ٢] . فَتَعَيَّنَ أَنَّ أَوَّلَ أَغْرَاضِ