للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٩٦]

وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٩٦)

مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً [الْبَقَرَة: ٩٥] لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ عَدَمَ تَمَنِّيهِمُ الْمَوْتَ لَيْسَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ عِنْدَ الْبَشَرِ مِنْ كَرَاهَةِ الْمَوْتِ مَا دَامَ الْمَرْءُ بِعَافِيَةٍ بَلْ هُمْ تَجَاوَزُوا ذَلِكَ إِلَى كَوْنِهِمْ أَحْرَصَ مِنْ سَائِرِ الْبَشَرِ عَلَى الْحَيَاةِ حَتَّى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ بَعْثًا وَلَا نُشُورًا وَلَا نَعِيمًا فَنَعِيمُهُمْ عِنْدَهُمْ هُوَ نَعِيمُ الدُّنْيَا وَإِلَى أَنْ تَمَنَّوْا أَنْ يُعَمَّرُوا أَقْصَى أَمَدِ التَّعْمِيرِ مَعَ مَا يَعْتَرِي صَاحِبَ هَذَا الْعُمُرِ مِنْ سُوءِ الْحَالَةِ وَرَذَالَةِ الْعَيْشِ. فَلِمَا فِي هَذِهِ الْجُمَلِ الْمَعْطُوفَةِ مِنَ التَّأْكِيدِ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا أُخِّرَتْ عَنْهَا، وَلِمَا فِيهَا مِنَ الزِّيَادَةِ فِي وَصْفِهِمْ بِالْأَحْرَصِيَّةِ الْمُتَجَاوِزَةِ الْحَدَّ عُطِفَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُفْصَلْ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ لَفُصِلَ كَمَا يُفْصَلُ التَّأْكِيدُ عَنِ الْمُؤَكَّدِ.

وَقَوْلُهُ: لَتَجِدَنَّهُمْ مِنَ الْوِجْدَانِ الْقَلْبِيِّ الْمُتَعَدِّي إِلَى مَفْعُولَيْنِ. وَالْمُرَادُ مِنَ النَّاسِ فِي الظَّاهِرِ جَمِيعُ النَّاسِ أَيْ جَمِيعُ الْبَشَرِ فَهُمْ أَحْرَصُهُمْ عَلَى الْحَيَاةِ فَإِنَّ الْحِرْصَ على الْحَيَاة غريزية فِي النَّاسِ إِلَّا أَنَّ النَّاسَ فِيهِ مُتَفَاوِتُونَ قُوَّةً وَكَيْفِيَّةً وَأَسْبَابًا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ:

أَرَى كُلَّنَا يَهْوَى الْحَيَاةَ بِسَعْيِهِ ... حَرِيصًا عَلَيْهَا مُسْتَهَامًا بِهَا صَبَّا

فَحُبُّ الجبان النَّفس أوده التُّقَى ... وَحُبُّ الشُّجَاعِ النَّفْسَ أَوْرَدَهُ الْحَرْبَا

وَنَكَّرَ (الْحَيَاةَ) قَصْدًا لِلتَّنْوِيعِ أَيْ كَيْفَمَا كَانَتْ تِلْكَ الْحَيَاةُ وَتَقُولُ يَهُودُ تُونُسَ مَا مَعْنَاهُ «الْحَيَاةُ وَكَفَى» .

وَقَوْلُهُ: وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا عَطْفٌ عَلَى (النَّاسِ) لِأَنَّ الْمُضَافَ إِلَيْهِ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ تُقَدَّرُ مَعَهُ مِنَ التَّفْضِيلِيَّةِ لَا مَحَالَةَ فَإِذَا عَطَفَ عَلَيْهِ جَازَ إِظْهَارُهَا وَيَتَعَيَّنُ الْإِظْهَارُ إِذَا كَانَ الْمُفَضَّلُ مِنْ غَيْرِ نَوْعِ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ حِينَئِذٍ تَمْتَنِعُ كَمَا هُنَا فَإِنَّ الْيَهُودَ مِنَ النَّاسِ وَلَيْسُوا مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا. وَعِنْدَ سِيبَوَيْهِ أَنَّ إِضَافَتَهُ عَلَى تَقْدِيرِ اللَّامِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَمِنَ

الَّذِينَ أَشْرَكُوا

- عَلَى قَوْلِهِ- عَطْفًا بِالْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى أَوْ بِتَقْدِيرِ مَعْطُوفٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَحْرَصْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا وَإِلَيْهِ مَالَ فِي «الْكَشَّافِ» .