للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَفَظَ بَيانَهُ خَاصَّةً، فَلَوْ أُرِيدَ الِاحْتِجَاجُ بِالْآيَةِ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ حَقًّا لَا يَخْلُو عَنْهُ الْبَيَانُ وَذَلِكَ غير صَحِيح.

[٢٠- ٢١]

[سُورَة الْقِيَامَة (٧٥) : الْآيَات ٢٠ إِلَى ٢١]

كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١)

رُجُوعٌ إِلَى مَهِيعِ الْكَلَامِ الَّذِي بُنِيَتْ عَلَيْهِ السُّورَةُ كَمَا يَرْجِعُ الْمُتَكَلِّمُ إِلَى وَصْلِ كَلَامِهِ بَعْدَ أَنْ قَطَعَهُ عَارِضٌ أَوْ سَائِلٌ، فَكَلِمَةُ كَلَّا رَدْعٌ وَإِبْطَالٌ. يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِبْطَالًا لِمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ إِلَى قَوْلِهِ: وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ

[الْقِيَامَة: ٣- ١٥] ، فَأُعِيدَ كَلَّا تَأْكِيدًا لِنَظِيرِهِ وَوَصْلًا لِلْكَلَامِ بِإِعَادَةِ آخِرِ كَلِمَةٍ مِنْهُ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَزَاعِمَهُمْ بَاطِلَةٌ.

وَقَوله ٩: بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ إِضْرَابٌ إِبْطَالِيٌ يُفَصِّلُ مَا أَجْمَلَهُ الرَّدْعُ بِ كَلَّا مِنْ إِبْطَالِ مَا قَبْلَهَا وَتَكْذِيبِهِ، أَيْ لَا مَعَاذِيرَ لَهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَكِنَّهُمْ أَحَبُّوا الْعَاجِلَةَ، أَيْ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا وَتَرَكُوا الْآخِرَةَ، وَالْكَلَامُ مُشْعِرٌ بِالتَّوْبِيخِ وَمَنَاطُ التَّوْبِيخِ هُوَ حُبُّ الْعَاجِلَةِ مَعَ نَبْذِ الْآخِرَةِ (فَأَمَّا لَوْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَاجِلَةَ وَرَاعَى الْآخِرَةَ، أَيْ جَرَى عَلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ

الشَّرْعِيَّيْنِ لَمْ يَكُنْ مَذْمُومًا. قَالَ تَعَالَى فِيمَا حَكَاهُ عَنِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَوْمِ قَارُونَ وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا [الْقَصَص: ٧٧] .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِبْطَالًا لِمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ

[الْقِيَامَة: ١٥] فَهُوَ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَعَاذِيرَهُمْ بَاطِلَةٌ وَلَكِنَّهُمْ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذْرُونَ الْآخِرَةَ، أَيْ آثَرُوا شَهَوَاتِهِمُ الْعَاجِلَةَ وَلَمْ يَحْسُبُوا لِلْآخِرَةِ حِسَابًا.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ تُحِبُّونَ وتَذَرُونَ بِتَاءٍ فَوْقِيَّةٍ عَلَى الِالْتِفَاتِ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ فِي مَوْعِظَةِ الْمُشْرِكِينَ مُوَاجهَة بالتفريع لِأَن ذَلِكَ أَبْلَغُ فِيهِ. وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ بِيَاءٍ تَحْتِيَّةٍ عَلَى نَسَقِ ضَمَائِرِ الْغَيْبَةِ السَّابِقَةِ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الْإِنْسانُ

فِي قَوْلِهِ: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ

[الْقِيَامَة: ١٤] جَاءَ ضَمِيرَ جَمْعٍ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مُرَادٌ بِهِ النَّاسُ الْمُشْرِكُونَ، وَفِي قَوْلِهِ: بَلْ تُحِبُّونَ مَا يُرْشِدُ إِلَى