وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ إِلَى السَّلْمِ بِفَتْحِ السِّينِ. وَقَرَأَهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَحَمْزَةَ بِكَسْرِ
السِّينِ وَهُمَا لُغَتَانِ. وَجُمْلَةُ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ عَطْفٌ عَلَى النَّهْيِ عَطْفُ الْخَبَرِ عَلَى الْإِنْشَاءِ، وَالْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْوَعْدِ.
وَالْأَعْلَوْنَ: مُبَالَغَةٌ فِي الْعُلُوِّ. وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى الْغَلَبَةِ وَالنَّصْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِمُوسَى:
إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى [طه: ٦٨] ، أَيْ وَاللَّهُ جَاعِلُكُمْ غَالِبِينَ.
واللَّهُ مَعَكُمْ عَطْفٌ عَلَى الْوَعْدِ. وَالْمَعِيَّةُ مَعِيَّةُ الرِّعَايَةِ وَالْكَلَاءَةِ، أَيْ وَاللَّهُ حَافِظُكُمْ وَرَاعِيكُمْ فَلَا يَجْعَل الْكَافرين عَلَيْكُمْ سَبِيلًا. وَالْمَعْنَى: وَأَنْتُمُ الْغَالِبُونَ بِعِنَايَةِ اللَّهِ وَنَصْرِهِ.
وَصِيغَ كُلٌّ مِنْ جُمْلَتَيْ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ جُمْلَةً اسْمِيَّةً لِلدَّلَالَةِ عَلَى ثَبَاتِ الْغَلَبِ لَهُمْ وَثَبَاتِ عِنَايَةِ اللَّهِ بِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَعْدٌ بِتَسْدِيدِ الْأَعْمَالِ وَنَجَاحِهَا عَكْسُ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ [مُحَمَّد: ١] فَكُنِّيَ عَنْ تَوْفِيقِ الْأَعْمَالِ وَنَجَاحِهَا بِعَدَمِ وَتْرِهَا، أَيْ نَقْصِهَا لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ إِذَا كَانَ لَا يَنْقُصُهَا فَبِالْحَرِيِّ أَنْ لَا يُبْطِلهَا، أَي أَن لَا يُخَيِّبُهَا، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْله: وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ [مُحَمَّد: ٤، ٥] .
يُقَالُ: وَتَرَهُ يَتِرَهُ وَتْرًا وَتِرَةً كَوَعَدَ، إِذَا نَقَصَهُ،
وَفِي حَدِيثِ «الْمُوَطَّأِ» «مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ»
. وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُرَادَ مِنْهُ صَرِيحُهُ، أَيْ يَنْقُصَكُمْ ثَوَابَكُمْ عَلَى أَعْمَالِكُمْ، أَيِ الْجِهَادِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ فَيُفِيدُ التَّحْرِيضَ عَلَى الْجِهَادِ بِالْوَعْدِ بِأَجْرِهِ كَامِلًا.
[٣٦، ٣٧]
[سُورَة مُحَمَّد (٤٧) : الْآيَات ٣٦ الى ٣٧]
إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧)
إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ.
تَعْلِيلٌ لِمَضْمُونِ قَوْلِهِ: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ [مُحَمَّد: ٣٥] الْآيَةَ، وَافْتِتَاحُهَا بِ (إِنَّ) مُغْنٍ عَنِ افْتِتَاحِهَا بِفَاءِ التَّسَبُّبِ عَلَى مَا بَيَّنَهُ فِي دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ، وَلَيْسَ اتِّصَالُ