(إِنَّ) بِ (مَا) الزَّائِدَةِ الْكَافَّةِ بِمُغَيِّرٍ مَوْقِعَهَا بِدُونِ (مَا) لِأَنَّ اتِّصَالَهَا بِهَا زَادَهَا مَعْنَى الْحَصْرِ.
وَالْمُرَادُ بِ الْحَياةُ أَحْوَالُ مُدَّةِ الْحَيَاةِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافَيْنِ.
وَاللَّعِبُ: الْفِعْلُ الَّذِي يُرِيدُ بِهِ فَاعِلُهُ الْهَزْلَ دُونَ اجْتِنَاءِ فَائِدَةٍ كَأَفْعَالِ الصِّبْيَانِ فِي
مَرَحِهِمْ.
وَاللَّهْوُ: الْعَمَلُ الَّذِي يُعْمَلُ لِصَرْفِ الْعَقْلِ عَنْ تَعَبِ الْجِدِّ فِي الْأُمُورِ فَيَلْهُو عَنْ مَا يَهْتَمُّ لَهُ وَيُكِدُّ عَقْلَهُ.
وَالْإِخْبَارُ عَنِ الْحَيَاةِ بِأَنَّهَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ، شُبِّهَتْ أَحْوَالُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِاللَّعِبِ وَاللَّهْوِ فِي عَدَمَ تُرَتُّبِ الْفَائِدَةِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا فَانِيَةٌ مُنْقَضِيَةٌ وَالْآخِرَةُ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ.
وَهَذَا تَحْذِيرٌ مِنْ أَنْ يَحْمِلَهُمْ حُبُّ لَذَائِذِ الْعَيْشِ عَلَى الزَّهَادَةِ فِي مُقَابَلَةِ الْعَدُوِّ وَيَتْلُو إِلَى مُسَالَمَتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُغْرِي الْعَدُوَّ بِهِمْ.
وَحُبُّ الْفَتَى طُولَ الْحَيَاةِ يُذِلُّهُ ... وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَخْوَةٌ وَعِزَامُ
وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧) .
الْأَشْبَهُ أَنَّ هَذَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ [مُحَمَّد: ٣٥] تَذْكِيرًا بِأَنَّ امْتِثَالَ هَذَا النَّهْيِ هُوَ التَّقْوَى الْمَحْمُودَةُ، وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ إِلَى السَّلْمِ قَدْ يَكُونُ الْبَاعِثُ عَلَيْهِ حُبَّ إِبْقَاءِ الْمَالِ الَّذِي يُنْفَقُ فِي الْغَزْوِ، فَذُكِّرُوا هُنَا بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى لِيَخْلَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمُ الْوَهَنَ لِأَنَّهُمْ نُهُوا عَنْهُ وَعَنِ الدُّعَاءِ إِلَى السَّلْمِ فَكَانَ الْكَفُّ عَنْ ذَلِكَ مِنَ التَّقْوَى، وَعُطِفَ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْأَلُهُمْ أَمْوَالَهُمْ إِلَّا لِفَائِدَتِهِمْ وَإِصْلَاحِ أُمُورِهِمْ، وَلِذَلِكَ وَقَعَ بَعْدَهُ قَوْلُهُ:
هَا أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ: عَنْ نَفْسِهِ [مُحَمَّد: ٣٨] ، عَلَى أَنَّ مَوْقِعَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ تَعْلِيلُ النَّهْيِ الْمُتَقَدِّمِ بِقَوْلِهِ: إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ مشير إِلَى أَنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا إِذَا عُمِّرَتْ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى كَانَتْ سَبَبًا فِي الْخَيْرِ الدَّائِمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute