للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجُمْلَةُ: يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي نَحْشُرُهُمْ.

وَالتَّعَارُفُ: تَفَاعُلٌ مِنْ عَرَفَ، أَيْ يَعْرِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ مَنْ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا وَيَعْرِفُهُ الْآخَرُ كَذَلِكَ.

وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْحَالِ كَالْمَقْصُودِ مَنْ ذِكْرِ حَالَةِ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ لِتَصْوِيرِ أَنَّهُمْ حُشِرُوا عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا فِي أَجْسَامِهِمْ وَإِدْرَاكِهِمْ زِيَادَةً فِي بَيَانِ إِبْطَالِ إِحَالَتِهِمُ الْبَعْثَ بِشُبْهَةِ أَنَّهُ يُنَافِي تَمَزُّقَ الْأَجْسَامِ فِي الْقُبُورِ وَانْطِفَاءَ الْعُقُولِ بِالْمَوْتِ.

فَظَهَرَ خُسْرَانُهُمْ يَوْمَئِذٍ بِأَنَّهُمْ نَفَوُا الْبَعْثَ فَلَمْ يَسْتَعِدُّوا لِيَوْمِهِ بِقَبُولِ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

[٤٦]

[سُورَة يُونُس (١٠) : آيَة ٤٦]

وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى مَا يَفْعَلُونَ (٤٦)

كَانَ ذِكْرُ تَكْذِيبِهِمُ الَّذِي جَاءَ فِي صَدْرِ السُّورَةِ بِقَوْلِهِ: قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هَذَا لسحر مُبين [يُونُس: ٢] ، ثُمَّ الْوَعِيدِ عَلَيْهِ بِعَذَابٍ يَحُلُّ بِهِمْ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِالْوَعِيدِ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ إِلَى قَوْلِهِ: لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [يُونُس: ١١- ١٤] مُنْذِرًا

بِتَرَقُّبِ عَذَابٍ يَحُلُّ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا كَمَا حَلَّ بِالْقُرُونِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَكَانَ مَعْلُومًا مِنْ خُلُقِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْفَتُهُ بِالنَّاسِ وَرَغْبَتُهُ أَنْ يَتِمَّ هَذَا الدِّينُ وَأَنْ يَهْتَدِيَ جَمِيعُ الْمَدْعُوِّينَ إِلَيْهِ، فَرُبَّمَا كَانَ النَّبِيءُ يَحْذَرُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ عَذَابُ الِاسْتِئْصَالِ فَيَفُوتَ اهْتِدَاؤُهُمْ. وَكَانَ قَوْلُهُ: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ [يُونُس: ١١] تَصْرِيحًا بِإِمْكَانِ اسْتِبْقَائِهِمْ وَإِيمَاءً إِلَى إِمْهَالِهِمْ. جَاءَ هَذَا الْكَلَامُ بَيَانًا لِذَلِكَ وَإِنْذَارًا بِأَنَّهُمْ إِنْ أُمْهِلُوا فَأُبْقِيَ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مُفْلِتِينَ مِنَ الْمَصِيرِ إِلَى عِقَابِ الْآخِرَةِ حِينَ يَرْجِعُونَ إِلَى تَصَرُّفِ اللَّهِ دُونَ حَائِلٍ.