للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجُمْلَةُ: كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ إِمَّا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ: نَحْشُرُهُمْ وَجُمْلَةِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ، وَإِمَّا حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي نَحْشُرُهُمْ.

وكَأَنْ مُخَفَّفَةُ (كَأَنَّ) الْمُشَدَّدَةِ النُّونِ الَّتِي هِيَ إِحْدَى أَخَوَاتِ (إِنَّ) ، وَهِيَ حَرْفُ تَشْبِيهٍ، وَإِذَا خُفِّفَتْ يَكُونُ اسْمُهَا مَحْذُوفًا غَالِبًا، وَالتَّقْدِيرُ هُنَا: كَأَنَّهُمْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ. وَقَدْ دَلَّ عَلَى الِاسْمِ الْمَحْذُوفِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ضَمَائِرِهِمْ.

وَالْمَعْنَى تَشْبِيهُ الْمَحْشُورِينَ بَعْدَ أَزْمَانٍ مَضَتْ عَلَيْهِمْ فِي الْقُبُورِ بِأَنْفُسِهِمْ لَوْ لَمْ يَلْبَثُوا فِي الْقُبُورِ إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ.

ومِنَ النَّهارِ (مِنْ) فِيهِ تَبْعِيضِيَّةٌ صِفَةٌ لِ ساعَةً وَهُوَ وَصْفٌ غَيْرُ مُرَادٍ مِنْهُ التَّقْيِيدُ إِذْ لَا فَرْقَ فِي الزَّمَنِ الْقَلِيلِ بَيْنَ كَوْنِهِ مِنَ النَّهَارِ أَوْ مِنَ اللَّيْلِ وَإِنَّمَا هَذَا وَصْفٌ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لِأَنَّ النَّهَارَ هُوَ الزَّمَنُ الَّذِي تَسْتَحْضِرُهُ الْأَذْهَانُ فِي الْمُتَعَارَفِ، مِثْلَ ذِكْرِ لَفْظِ الرَّجُلِ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ [الْأَعْرَافِ: ٤٦] . وَمِنْ

هَذَا مَا وَقَعَ

فِي الْحَدِيثِ «وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ»

، وَالْمَقْصُودُ سَاعَةٌ مِنَ الزَّمَانِ وَهِيَ السَّاعَةُ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا قِتَالُ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إِلَى تَقْيِيدٍ بِكَوْنِهِ فِي النَّهَارِ وَإِنْ كَانَ صَادَفَ أَنَّهُ فِي النَّهَارِ.

وَالسَّاعَةُ: الْمِقْدَارُ مِنَ الزَّمَانِ، وَالْأَكْثَرُ أَنْ تُطْلَقَ عَلَى الزَّمَنِ الْقَصِيرِ إِلَّا بِقَرِينَةٍ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٣٤] .

وَوَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَ حَالِ زَمَنِ لُبْثِهِمْ فِي الْقُبُورِ وَبَيْنَ لُبْثِ سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ وُجُوهٌ: هِيَ التَّحَقُّقُ وَالْحُصُولُ، بِحَيْثُ لَمْ يَمْنَعْهُمْ طُولُ الزَّمَنِ مِنَ الْحَشْرِ، وَأَنَّهُمْ حُشِرُوا بِصِفَاتِهِمُ الَّتِي عَاشُوا عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَفْنَوْا. وَهَذَا اعْتِبَارٌ بِعَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ عَلَى إِرْجَاعِهِمْ.

وَالْمَقْصُودُ مِنَ التَّشْبِيهِ التَّعْرِيضُ بِإِبْطَالِ دَعْوَى الْمُشْرِكِينَ إِحَالَتَهُمُ الْبَعْثَ بِشُبْهَةِ أَنَّ طُولَ اللُّبْثِ وَتَغَيُّرَ الْأَجْسَادِ يُنَافِي إحياءها يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً [النازعات: ١٠، ١١] .