للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَاقْتَصَرَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى مَعْنَى أَنَّ عِلَّةَ الْإِرْسَالِ هِيَ عَدَمُ إِهْلَاكِ الْقُرَى عَلَى غَفْلَةٍ، فَدَلَّ عَلَى الْمَعْنَى الْمَحْذُوفِ.

وَالْإِهْلَاكُ: إِعْدَامُ ذَاتِ الْمَوْجُودِ وَإِمَاتَةُ الْحَيِّ. قَالَ تَعَالَى: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الْأَنْفَال: ٤٢] فَإِهْلَاكُ الْقُرَى إِبَادَةُ أَهْلِهَا وَتَخْرِيبُهَا، وَإِحْيَاؤُهَا إِعَادَةُ عُمْرَانِهَا بِالسُّكَّانِ وَالْبِنَاءِ، قَالَ تَعَالَى: أَنَّى يُحْيِي هذِهِ (أَيِ الْقَرْيَةَ) اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها [الْبَقَرَة:

٢٥٩] . وإهلاك النّاس: إبادتهم، وإحياؤهم إبقاؤهم، فَمَعْنَى إهلاك الْقُرَى هُنَا شَامِلٌ لِإِبَادَةِ سُكَّانِهَا. لِأَنَّ الْإِهْلَاكَ تَعَلَّقَ بِذَاتِ الْقُرَى، فَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّمَجُّزِ فِي إِطْلَاقِ الْقُرَى عَلَى أَهْلِ الْقُرَى (كَمَا فِي: وسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يُوسُف: ٨٢] لِصِحَّةِ الْحَقِيقَةِ هُنَا، وَلِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْهُ قَوْلَهُ: وَأَهْلُها غافِلُونَ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً

[الْإِسْرَاء: ١٦] فَجَعَلَ إِهْلَاكَهَا تَدْمِيرَهَا، وَإِلَى قَوْلِهِ: وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها [الْفرْقَان: ٤٠] .

وَالْبَاءُ فِي: بِظُلْمٍ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَالظُّلْمُ: الشِّرْكُ، أَيْ مُهْلِكُهُمْ بِسَبَبِ شِرْكٍ يَقَعُ فِيهَا فَيُهْلِكُهَا وَيُهْلِكُ أَهْلَهَا الَّذِينَ أَوْقَعُوهُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: بِظُلْمِ أَهْلِهَا، لِأَنَّهُ أُرِيدَ أَنَّ وُجُودَ الظُّلْمِ فِيهَا سَبَبُ هَلَاكِهَا، وَهَلَاكُ أَهْلِهَا بِالْأَحْرَى لِأَنَّهُمُ الْمَقْصُودُ بِالْهَلَاكِ.

وَجُمْلَةُ: وَأَهْلُها غافِلُونَ حَالٌ مِنَ الْقُرى. وَصَرَّحَ هُنَا بِ أَهْلُها تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ هَلَاكَ الْقُرَى مِنْ جَرَّاءِ أَفْعَالِ سُكَّانِهَا، فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا [النَّمْل: ٥٢] .

[١٣٢]

[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ١٣٢]

وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ