للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَبْلُ، أَوْ هُوَ إِتْيَانُ الرُّسُلِ الَّذِي جَرَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي حِكَايَةِ تَقْرِيرِ الْمُشْرِكِينَ فِي يَوْمِ الْحَشْرِ عَنْ إِتْيَانِ رُسُلِهِمْ إِلَيْهِمْ، وَهُوَ الْمَصْدَرُ الْمَأْخُوذُ من قَوْله: لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ

[الْأَنْعَام: ١٣٠] فَإِنَّهُ لَمَّا حَكَى ذَلِكَ الْقَوْلَ لِلنَّاسِ السَّامِعِينَ، صَارَ ذَلِكَ الْقَوْلُ الْمَحْكِيُّ كَالْحَاضِرِ، فَصَحَّ أَنْ يُشَارَ إِلَى شَيْءٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ. وَاسْمُ الْإِشَارَةِ إِمَّا مُبْتَدَأٌ أَوْ خَبَرٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: ذَلِكَ الْأَمْرُ أَوِ الْأَمْرُ ذَلِكَ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ضَمِيرُ الشَّأْنِ الْمُقَدَّرُ بَعْدَ (أَنْ) .

وأَنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَاسْمُهَا ضَمِيرُ شَأْنٍ مَحْذُوفٍ، كَمَا هُوَ اسْتِعْمَالُهَا عِنْدَ التَّخْفِيفِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَهُ شَأْنٌ يَجْدُرُ أَنْ يُعْرَفَ وَالْجُمْلَةُ خَبْرُ أَنْ، وَحُذِفَتْ لَامُ التَّعْلِيلِ الدَّاخِلَةُ عَلَى أَنْ: لِأَنَّ حَذْفَ جَارِّ أَنْ كَثِيرٌ شَائِعٌ، وَالتَّقْدِيرُ: ذَلِكَ الْأَمْرُ، أَوِ الْأَمْرُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ- أَيِ الشَّأْنُ- لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى.

وَجُمْلَةُ: لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ هُوَ شَأْنٌ عَظِيم من شؤون اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ شَأْنُ عَدْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَرِضَاهُ لِعِبَادِهِ الْخَيْرَ وَالصَّلَاحَ، وَكَرَاهِيَتُهُ سُوءَ أَعْمَالِهِمْ، وَإِظْهَارُهُ أَثَرَ رُبُوبِيَّتِهِ إِيَّاهُمْ بِهِدَايَتِهِمْ إِلَى سُبُلِ الْخَيْرِ، وَعَدَمِ مُبَاغَتَتِهِمْ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّقَدُّمِ إِلَيْهِمْ بِالْإِنْذَارِ وَالتَّنْبِيهِ.

وَفِي الْكَلَامِ إِيجَازٌ إِذْ عُلِمَ مِنْهُ: أَنَّ اللَّهَ يُهْلِكُ الْقُرَى الْمُسْتَرْسِلَ أَهْلُهَا عَلَى الشِّرْكِ إِذَا أَعْرَضُوا عَنْ دَعْوَةِ الرُّسُلِ، وَأَنَّهُ لَا يُهْلِكُهُمْ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِمْ رُسُلًا مُنْذِرِينَ، وَأَنَّهُ أَرَادَ حَمْلَ تَبِعَةِ هَلَاكِهِمْ عَلَيْهِمْ، حَتَّى لَا يَبْقَى فِي نُفُوسِهِمْ أَنْ يَقُولُوا: لَوْلَا رَحِمَنَا رَبُّنَا فَأَنْبَأَنَا

وَأَعْذَرَ إِلَيْنَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ (أَي قبل محمّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَبْلَ الْقُرْآنِ) لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى [طه: ١٣٤]