وَالشَّرَابُ: اسْمٌ لِلْمَشْرُوبِ، وَهُوَ الْمَائِعُ الَّذِي تَشْتَفُّهُ الشَّفَتَانِ وَتُبْلِغُهُ إِلَى الْحَلْقِ فَيُبْلَعُ دُونَ مَضْغٍ.
وَ (مِنْ) تَبْعِيضَيَّةٌ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْهُ شَجَرٌ نَظِيرُ قَوْلِهِ: مِنْهُ شَرابٌ. وَأُعِيدَ حَرْفُ (مِنْ) بَعْدَ وَاوِ الْعَطْفِ لِأَنَّ حَرْفَ (مِنْ) هُنَا لِلِابْتِدَاءِ، أَوْ لِلسَّبَبِيَّةِ فَلَا يَحْسُنُ عَطْفُ شَجَرٌ عَلَى شَرابٌ.
وَالشَّجَرُ: يُطْلَقُ عَلَى النَّبَاتِ ذِي السَّاقِ الصُّلْبَةِ، وَيُطْلَقُ عَلَى مُطْلَقِ الْعُشْبِ وَالْكَلَأِ تَغْلِيبًا.
وَرُوعِيَ هَذَا التَّغْلِيبُ هُنَا لِأَنَّهُ غَالِبُ مَرْعَى أَنْعَامِ أَهْلِ الْحِجَازِ لِقِلَّةِ الْكَلَأِ فِي أَرْضِهِمْ، فَهُمْ يَرْعَوْنَ الشَّعَارِي وَالْغَابَاتِ.
وَفِي حَدِيثِ «ضَالَّةُ الْإِبِلِ تَشْرَبُ الْمَاءَ وَتَرْعَى الشّجر حَتَّى يأتيا رَبُّهَا»
. وَمِنَ الدَّقَائِقِ الْبَلَاغِيَّةِ الْإِتْيَانُ بِحَرْفِ (فِي) الظَّرْفِيَّةِ، فَالْإِسَامَةُ فِيهِ تَكُونُ بِالْأَكْلِ مِنْهُ وَالْأَكْلُ مِمَّا تَحْتَهُ مِنَ الْعُشْبِ.
وَالْإِسَامَةُ: إِطْلَاقُ الْإِبِلِ لِلسَّوْمِ وَهُوَ الرَّعْيُ. يُقَالُ: سَامَتِ الْمَاشِيَةُ فَهِيَ سَائِمَةٌ وأسامها ربّها.
[١١]
[سُورَة النَّحْل (١٦) : آيَة ١١]
يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١)
جُمْلَةُ يُنْبِتُ حَالٌ مِنْ ضمير أَنْزَلَ [سُورَة النَّحْل: ١٠] ، أَيْ يُنْبِتُ اللَّهُ لَكُمْ.
وَإِنَّمَا لَمْ يُعْطَفْ هَذَا على الْجُمْلَة لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ [سُورَة النَّحْل: ١٠] لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَحْصُلُ بِنُزُولِ الْمَاءِ وَحْدَهُ بَلْ لَا بُدَّ مَعَه من زَرْعٌ وغرس.
وَهَذَا الإنبات مِنْ دَلَائِلِ عَظِيمِ الْقُدْرَةِ الرَّبَّانِيَّةِ، فَالْغَرَضُ مِنْهُ الِاسْتِدْلَالُ مَمْزُوجًا
بِالتَّذْكِيرِ بِالنِّعْمَةِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لَكُمْ عَلَى وِزَانِ مَا