للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَتْبَعَ ذِكْرَ السَّمَاءِ بِذِكْرِ الْجِبَالِ وَكَانَتِ الْجِبَالُ مَنَازِلَ لِكَثِيرٍ مِنْهُمْ مِثْلَ جَبَلَيْ أَجَأٍ وَسَلْمَى لِطَيٍّ. وَيَنْزِلُونَ سُفُوحَهَا لِيَكُونُوا أَقْرَبَ إِلَى الِاعْتِصَامِ بِهَا عِنْدَ الْخَوْفِ وَيَتَّخِذُونَ فِيهَا مَرَاقِبَ لِلْحِرَاسَةِ.

وَالنَّصْبُ: الرَّفْعُ أَيْ كَيْفَ رُفِعَتْ وَهِيَ مَعَ ارْتِفَاعِهَا ثَابِتَةٌ رَاسِخَةٌ لَا تَمِيلُ.

وَثمّ نَزَلَ بِأَنْظَارِهِمْ إِلَى الْأَرْضِ وَهِيَ تَحْتَ أَقْدَامِهِمْ وَهِيَ مَرْعَاهُمْ وَمُفْتَرَشُهُمْ، وَقَدْ سَطَحَهَا اللَّهُ، أَيْ خَلَقَهَا مُمَهَّدَةً لِلْمَشْيِ وَالْجُلُوسِ وَالِاضْطِجَاعِ. وَمعنى سُطِحَتْ:

سويت يُقَالُ: سَطَحَ الشَّيْءَ إِذَا سَوَّاهُ وَمِنْهُ سَطْحُ الدَّارِ.

وَالْمُرَادُ بِالْأَرْضِ أَرْضُ كُلِّ قَوْمٍ لَا مَجْمُوعَ الْكُرَةِ الْأَرْضِيَّةِ.

وَبُنِيَتِ الْأَفْعَالُ الْأَرْبَعَةُ إِلَى الْمَجْهُولِ لِلْعِلْمِ بفاعل ذَلِك.

[٢١- ٢٤]

[سُورَة الغاشية (٨٨) : الْآيَات ٢١ إِلَى ٢٤]

فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (٢٤)

الْفَاءُ فَصِيحَةُ تَفْرِيعٍ عَلَى مُحَصَّلِ مَا سَبَقَ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ الَّذِي هُوَ التَّذْكِيرُ بِالْغَاشِيَةِ وَمَا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ ذِكْرِ إِعْرَاضِهِمْ وَإِنْذَارِهِمْ، رَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدَّوَامِ عَلَى

تَذْكِيرِهِمْ وَأَنَّهُ لَا يُؤَيِّسُهُ إِصْرَارُهُمْ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَعَدَمُ ادِّكَارِهِمْ بِمَا أَلْقَى إِلَيْهِمْ مِنَ الْمَوَاعِظِ، وَتَثْبِيتُهُ بِأَنَّهُ لَا تَبِعَةَ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ إِصْغَائِهِمْ إِذْ لَمْ يُبْعَثْ مُلْجِئًا لَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ.

فَالْأَمْرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي طَلَبِ الِاسْتِمْرَارِ وَالدَّوَامِ.

وَمَفْعُولُ «ذَكِّرْ» مَحْذُوفٌ هُوَ ضَمِيرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ وَجُمْلَةُ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ بِالدَّوَامِ عَلَى التَّذْكِيرِ مَعَ عَدَمِ إِصْغَائِهِمْ لِأَنَّ إِنَّما مُرَكَّبَةٌ من (أنّ) و (مَا) وَشَأْنُ (إِنَّ) إِذَا وَرَدَتْ بَعْدَ جُمْلَةٍ أَنْ تُفِيدَ التَّعْلِيلَ وَتُغْنِيَ غَنَاءَ فَاءِ التَّسَبُّبِ، وَاتِّصَالُ (مَا) الْكَافَّةِ بِهَا لَا يُخْرِجُهَا عَنْ مَهْيَعِهَا.

وَالْقَصْرُ الْمُسْتَفَادُ بِ إِنَّما قَصْرٌ إِضَافِيٌّ، أَيْ أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ وَكِيلًا عَلَى