للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السَّمَاءِ وَالْجِبَالِ وَالْأَرْضِ فِي الذِّكْرِ هُنَا، هُوَ أَنَّهَا تَنْتَظِمُ فِي نَظَرِ جُمْهُورِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ وَالْحِجَازِ وَنَجِدٍ وَأَمْثَالِهَا مِنْ بِلَادِ أَهْلِ الْوَبَرِ وَالِانْتِجَاعِ.

فَالْإِبِلُ أَمْوَالُهُمْ وَرَوَاحِلُهُمْ، وَمِنْهَا عَيْشُهُمْ وَلِبَاسُهُمْ وَنَسْجُ بُيُوتِهِمْ وَهِيَ حَمَّالَةُ أَثْقَالِهِمْ، وَقَدْ خَلَقَهَا اللَّهُ خَلْقًا عَجِيبًا بِقُوَّةِ قَوَائِمِهَا وَيُسْرِ بَرُوكِهَا لِتَيْسِيرَ حَمْلِ الْأَمْتِعَةِ عَلَيْهَا، وَجَعَلَ أَعْنَاقَهَا طَوِيلَةً قَوِيَّةً لِيُمْكِنَهَا النُّهُوضُ بِمَا عَلَيْهَا مِنَ الْأَثْقَالِ بَعْدَ تَحْمِيلِهَا أَوْ بَعْدَ اسْتِرَاحَتِهَا فِي الْمَنَازِلِ وَالْمَبَارَكِ، وَجَعَلَ فِي بُطُونِهَا أَمْعَاءً تَخْتَزِنُ الطَّعَامَ وَالْمَاءَ بِحَيْثُ تَصْبِرُ عَلَى الْعَطَشِ إِلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ فِي السَّيْرِ فِي الْمَفَاوِزِ مِمَّا يَهْلِكُ فِيمَا دُونَهُ غَيْرُهَا مِنَ الْحَيَوَانِ.

وَكَمْ قَدْ جَرَى ذِكْرُ الرَّوَاحِلِ وَصِفَاتِهَا وَحَمْدِهَا فِي شِعْرِ الْعَرَبِ وَلَا تَكَادُ تَخْلُو قصيدة من طوالهم عَنْ وَصْفِ الرَّوَاحِلِ وَمَزَايَاهَا. وَنَاهِيكَ بِمَا فِي الْمُعَلَّقَاتِ وَمَا فِي قَصِيدَةِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ.

والْإِبِلِ: اسْمُ جَمْعٍ لِلْبُعْرَانِ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٤٦] .

وَعَنِ الْمُبَرِّدِ أَنَّهُ فَسَّرَ الْإِبِلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالْأَسْحِبَةِ وَتَأَوَّلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنَّ الْإِبِلَ مِنْ أَسْمَاءِ السَّحَابِ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّشْبِيهِ» ، أَيْ هُوَ عَلَى نَحْوِ قَوْلِ عَنْتَرَةَ:

جَادَتْ عَلَيْهِ كل بكر حُرَّةٍ ... فَتَرْكَنُ كُلُّ قَرَارَةٍ كَالدِّرْهَمِ

وَنُقِلَ بِهِمْ إِلَى التَّدَبُّرِ فِي عَظِيمِ خَلْقِ السَّمَاءِ إِذْ هُمْ يَنْظُرُونَهَا نَهَارَهُمْ وَلَيْلَهُمْ فِي إِقَامَتِهِمْ وَظَعْنِهِمْ، يَرْقُبُونَ أَنْوَاءَ الْمَطَرِ وَيَشِيمُونَ لَمْعَ الْبُرُوقِ، فَقَدْ عُرِفَ الْعَرَبُ بِأَنَّهُمْ بَنُو مَاءِ السَّمَاءِ، قَالَ زِيَادَةُ الْحَارِثِيُّ (عَلَى تَرَدُّدٍ لِشُرَّاحِ الْحَمَاسَةِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ، بَنُو مَاءِ السَّمَاءِ) :

وَنَحْنُ بَنُو مَاءِ السَّمَاءِ فَلَا نَرَى ... لِأَنْفُسِنَا مِنْ دُونِ مَمْلَكَةٍ قَصْرُ

وَفِي كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ ذَكَرَ قِصَّةَ هَاجَرَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي آخِرِهَا: «إِنَّهَا لَأُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ» وَيَتَعَرَّفُونَ مِنَ النُّجُومِ وَمَنَازِلِ الشَّمْسِ أَوْقَاتَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَوِجْهَةَ السَّيْرِ.