وَهُوَ مِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ أَيْ فَلَا يَصِلُ كَلَامُهُ إِلَيْهِمْ وَلَا يَتَطَرَّقُ جَانِبَهُمْ، فَهَذِهِ تَفَاصِيلُ إِعْرَاضِهِمْ عَنْ صِفَاتِ الْقُرْآنِ.
وَقَوْلُهُمْ: فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ تَفْرِيعٌ عَلَى تَأْيِيسِهِمُ الرَّسُولَ مِنْ قَبُولِهِمْ دَعْوَتَهُ وَجَعَلَ قَوْلَهُمْ هَذَا مُقَابِلَ وَصْفِ الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ لِظُهُورِ أَنَّهُ تَعَيَّنَ كَوْنُهُ نَذِيرًا لَهُمْ بِعَذَابٍ عَظِيمٍ لِأَنَّهُمْ أَعْرَضُوا فَحُكِيَ مَا فِيهِ تَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّهُم لَا يعبأون بِنِذَارَتِهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ أَذًى فَلْيُؤْذِهِمْ بِهِ وَهَذَا كَقَوْلِ فِرْعَوْنَ: «ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ» .
وَحَذَفَ مَفْعُولَا (اعْمَلْ) وعامِلُونَ لِيَعُمَّ كُلَّ مَا يُمْكِنُ عَمَلُهُ كُلٌّ مَعَ الْآخَرِ مَا يُنَاسِبُهُ. وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: فَاعْمَلْ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّسْوِيَة كَقَوْلِه عَنْتَرَةَ بْنِ الْأَخْرَسِ الْمَعْنِيِّ:
أَطِلْ حَمْلَ الشَّنَاءَةِ لِي وَبُغْضِي ... وَعِشْ مَا شِئْتَ فَانْظُرْ مَنْ تُضِيرُ
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [فصلت: ٤٠] .
وَالْخَبَرُ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّنا عامِلُونَ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّهْدِيدِ.
[٦، ٧]
[سُورَة فصلت (٤١) : الْآيَات ٦ الى ٧]
قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٧)
قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ.
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ هُوَ تلقين الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجِيبَ قَوْلَهُمْ: فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ [فصلت: ٥] الْمُفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِمْ: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ [فصلت: ٥] إِلَى آخِرِهِ جَوَابُ الْمُتَبَرِّئِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَوْلٌ وَقُوَّةٌ لِيَعْمَلَ فِي إِلْجَائِهِمْ إِلَى الْإِيمَانِ لِمَا أَبَوْهُ إِذْ مَا هُوَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُهُمْ فِي الْبَشَرِيَّةِ لَا حَوْلَ لَهُ عَلَى تَقْلِيبِ الْقُلُوبِ الضَّالَّةِ، إِلَى الْهُدَى، وَمَا عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يُبَلِّغَهُمْ مَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ. وَهَذَا الْخَبَرُ يُفِيدُ كِنَايَةً عَنْ تَفْوِيضِ الْأَمْرِ فِي الْعَمَلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute