للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِجَزَائِهِمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى كَأَنَّهُ يَقُولُ: وَمَاذَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَعْمَلَ مَعَكُمْ فَإِنِّي رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ فَحِسَابُكُمْ عَلَى اللَّهِ.

فَصِيغَةُ الْقَصْرِ فِي إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ تُفِيدُ قَصْرًا إِضَافِيًّا، أَيْ أَنَا مَقْصُورٌ عَلَى الْبَشَرِيَّةِ دُونَ التَّصَرُّفِ فِي قُلُوبِ النَّاس. وبيّن مِمَّا تَمَيَّزَ بِهِ عَنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الِاحْتِرَاسِ مِنْ أَنْ يَتَلَقَّفُوا قَوْلَهُ: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ تَلَقُّفَ مَنْ حَصَلَ عَلَى اعْتِرَافِ خَصْمِهِ بِنُهُوضِ حُجَّتِهِ بِمَا يُثْبِتُ الْفَارِقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فِي الْبَشَرِيَّةِ، وَهُوَ مَضْمُونُ جُمْلَةِ يُوحى إِلَيَّ وَذَلِكَ لِلتَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ إِبْطَالَ زَعْمِهِمُ الْمَشْهُورِ الْمُكَرَّرِ أَنَّ كَوْنَهُ بَشَرًا مَانِعٌ مِنْ إِرْسَالِهِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى لقَولهم:

مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً

[الْفرْقَان: ٧] ، وَنَحْوَهُ مِمَّا تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ. وَمِثْلُ هَذَا الِاحْتِرَاسِ مَا حَكَاهُ اللَّهُ عَنْ قَوْلِ الْكُفَّارِ لِرُسُلِهِمْ: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ [إِبْرَاهِيم: ١٠، ١١] .

وَحِرْصًا عَلَى إِبْلَاغِ الْإِرْشَادِ إِلَيْهِمْ بَيَّنَ لَهُ مَا يُوحَى إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ إِعَادَةً لِمَا أَبْلَغَهُمْ إِيَّاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، شَأْنَ الْقَائِمِ بِهَدْيِ النَّاسِ أَنْ لَا يُغَادِرَ فُرْصَةً لِإِبْلَاغِهِمُ الْحَقَّ إِلَّا انْتَهَزَهَا. وَنَظِيرُهُ مَا جَاءَ فِي مُحَاوَرَةِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [الشُّعَرَاء: ٢٣- ٢٨] .

وإِنَّما مَفْتُوحَةُ الْهَمْزَةِ، وَهِيَ أُخْتُ إِنَّما الْمَكْسُورَةِ وَإِنَّمَا تُفْتَحُ هَمْزَتُهَا إِذَا وَقَعَتْ مَعْمُولَةً لِمَا قَبْلَهَا وَلَمْ تَكُنْ فِي الِابْتِدَاءِ كَمَا تُفْتَحُ هَمْزَةُ (أَنَّ) وَتُكْسَرُ هَمْزَةُ (إِنَّ) لِأَنَّ إِنَّمَا أَوْ (أَنَّمَا) مُرَكَّبَانِ مِنْ (إِنَّ) أَوْ (أَنَّ) مَعَ (مَا) الْكَافَّةِ الزَّائِدَةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنَى (مَا) وَ (إِلَّا) حَتَّى ذَهَبَ وَهَلُ بَعْضِهِمْ أَنَّ (مَا) الَّتِي مَعَهَا هِيَ النَّافِيَةُ اغْتِرَارًا بِأَنَّ مَعْنَى الْقَصْرِ إِثْبَاتُ الْحُكْمِ لِلْمَذْكُورِ وَنَفْيُهُ عَمَّا عَدَاهُ مِثْلَ (مَا) وَ (إِلَّا) وَلَا يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِي كَوْنِ أَنَّمَا الْمَفْتُوحَةِ الْهَمْزَةِ مُفِيدَةً الْقَصْرَ