مِثْلَ أُخْتِهَا الْمَكْسُورَةِ الْهُمَزَةِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَا رَدَّهُ أَبُو حَيَّانَ عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ مُجَازَفَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ [١٠٨] .
فَقَوْلُهُ: أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ إِدْمَاجٌ لِلدَّعْوَةِ إِلَى الْحَقِّ فِي خِلَالِ الْجَوَابِ حِرْصًا عَلَى الْهَدْيِ.
وَكَذَلِكَ التَّفْرِيعُ بِقَوْلِهِ: فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ فَإِنَّهُ إِتْمَامٌ لِذَلِكَ الْإِدْمَاجِ بِتَفْرِيعِ فَائِدَتِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّ إِثْبَاتَ أَنَّ اللَّهَ إِلَهٌ وَاحِدٌ إِنَّمَا يَقْصِدُ مِنْهُ إِفْرَادَهُ بِالْعِبَادَةِ وَنَبْذَ الشِّرْكِ. هَذَا هُوَ الْوَجْهُ فِي تَوْجِيهِ ارْتِبَاطِ قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ بِقَوْلِهِمْ: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ [فصلت: ٥] إِلَخْ.
وَمَوْقِعُ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ أَنَّهُ نَائِبُ فَاعِلِ يُوحى إِلَيَّ، أَيْ يُوحَى إِلَيَّ مَعْنَى الْمَصْدَرِ الْمُنْسَبِكِ مِنْ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ وَهُوَ حَصْرُ صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَنَّهُ وَاحِدٌ، أَيْ دُونَ شَرِيكٍ.
وَمُمَاثَلَتُهُ لَهُمْ: الْمُمَاثَلَةُ فِي الْبَشَرِيَّةِ فَتُفِيدُ تَأْكِيدَ كَوْنِهِ بَشَرًا.
وَالِاسْتِقَامَةُ: كَوْنُ الشَّيْءِ قَوِيمًا، أَيْ غَيْرَ ذِي عِوَجٍ وَتُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى كَوْنِ الشَّيْءِ حَقًّا خَالِصًا لَيْسَتْ فِيهِ شَائِبَةُ تَمْوِيهٍ وَلَا بَاطِلٍ. وَعَلَى كَوْنِ الشَّخْصِ صَادِقًا فِي مُعَامَلَتِهِ أَوْ عَهْدِهِ غَيْرَ خَالِطٍ بِهِ شَيْئًا مِنَ الْحِيلَةِ أَوِ الْخِيَانَةِ، فَيُقَالُ: فُلَانٌ رَجُلٌ مُسْتَقِيمٌ، أَيْ صَادِقُ الْخُلُقِ، وَإِنْ أُرِيدَ صِدْقُهُ مَعَ غَيْرِهِ يُقَالُ: اسْتَقَامَ لَهُ، أَيِ اسْتَقَامَ لِأَجْلِهِ، أَيْ لِأَجْلِ مُعَامَلَتِهِ مِنْهُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ [التَّوْبَة: ٧] وَالِاسْتِقَامَةُ هُنَا بِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا عُدِّيَ بِحَرْفِ (إِلَى) لِأَنَّهَا كَثِيرًا مَا تُعَاقِبُ اللَّامَ، يُقَالُ: ذَهَبَتْ لَهُ وَذَهَبَتْ إِلَيْهِ، وَالْأَحْسَنُ أَنَّ إِيثَارَ (إِلَى) هُنَا لِتَضْمِينِ (اسْتَقِيمُوا) مَعْنَى: تَوَجَّهُوا، لِأَنَّ التَّوْحِيدَ تَوَجُّهٌ، أَيْ صَرْفُ الْوَجْهِ إِلَى اللَّهِ دُونَ غَيْرِهِ، كَمَا حُكِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الْأَنْعَام: ٧٩] ، أَوْ ضُمِّنَ (اسْتَقِيمُوا) مَعْنَى: أَنِيبُوا، أَيْ تُوبُوا مِنَ الشِّرْكِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ عَطْفُ وَاسْتَغْفِرُوهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute