للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ قُلْ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ، وَخَلَفٌ قالَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي، وَكَذَلِكَ هِيَ مَرْسُومَةٌ فِي الْمُصْحَفِ الْكُوفِيِّ قَالَهُ أَبُو شَامَةَ، أَيْ قَالَ الرَّسُولُ لَهُمْ، حَكَى اللَّهُ مَا قَالَهُ الرَّسُولُ لَهُمْ، وَإِنَّمَا قَالَهُ عَنْ وَحْيٍ فَكَانَ فِي مَعْنَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ قُلْ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ لِأَنَّهُ إِذَا أَمَرَ بِأَنْ يَقَوْلَهُ فَقَدْ قَالَهُ.

وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ يَعْلَمُ السِّرَّ لِمُرَاعَاةِ الْعِلْمِ بِأَنَّ الَّذِي قَالُوهُ مِنْ قَبِيلِ السِّرِّ وَأَنَّ إِثْبَاتَ عِلْمِهِ بِكُلِّ قَوْلٍ يَقْتَضِي إِثْبَاتَ عِلْمِهِ بِالسِّرِّ وَغَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى مُتَعَارَفِ النَّاسِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي سُورَةِ [الْفُرْقَانِ: ٦] قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَلَمْ يَتَقَدَّمْ قَبْلَهُ ذِكْرٌ لِلْإِسْرَارِ، وَكَانَ قَوْلُ الَّذِينَ كَفَرُوا: إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ [الْفرْقَان: ٤] صَادِرًا مِنْهُمْ تَارَةً جَهْرًا وَتَارَةً سِرًّا فَأَعْلَمَهُمُ اللَّهُ بِاطِّلَاعِهِ عَلَى سِرِّهِمْ. وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَى جَهْرِهِمْ بطريقة الفحوى.

[٥]

[سُورَة الْأَنْبِيَاء (٢١) : آيَة ٥]

بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥)

بَلْ الْأُولَى مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى إِضْرَابُ انْتِقَالٍ مِنْ حِكَايَةِ قَوْلِ فَرِيقٍ مِنْهُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ الْأَنْبِيَاء: ٣] إِلَى حِكَايَةِ قَوْلٍ آخَرَ مِنْ أَقْوَالِ الْمُشْرِكِينَ، وَهُوَ زَعْمُهُمْ أَنَّ مَا يُخْبِرُ عَنْهُ وَيَحْكِيهِ هُوَ أَحْلَامٌ يَرَاهَا فَيَحْكِيهَا، فَضَمِيرُ قالُوا لِجَمَاعَةِ الْمُشْرِكِينَ لَا لِخُصُوصِ الْقَائِلِينَ الْأَوَّلِينَ.

وبَلْ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْكَلَامِ الْمَحْكِيِّ عَنْهُمْ وَهِيَ إِضْرَابُ انْتِقَالٍ فِيمَا يَصِفُونَ بِهِ الْقُرْآنَ. وَالْمَعْنَى: بَلِ افْتَرَاهُ وَاخْتَلَقَهُ مِنْ غَيْرِ أَحْلَامٍ، أَيْ هُوَ كَلَامٌ مَكْذُوبٌ.