وَقَوْلُهُ: لَوْ يُضِلُّونَكُمْ أَيْ وَدُّوا إِضْلَالَكُمْ وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ وَدُّوا أَنْ يَجْعَلُوهُمْ عَلَى غَيْرِ هُدًى فِي نَظَرِ أَهْلِ الْكِتَابِ: أَيْ يُذَبْذِبُوهُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْإِضْلَالُ فِي نَفْسِ
الْأَمْرِ، وَإِنْ كَانَ وِدُّ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ يُهَوِّدُوهُمْ. وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: إِنَّهُمْ إِذَا أَضَلُّوا النَّاسَ فَقَدْ صَارُوا هُمْ أَيْضًا ضَالِّينَ لِأَنَّ الْإِضْلَالَ ضَلَالٌ، وَأَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: إِنَّهُمْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ ضَالِّينَ بِرِضَاهُمْ بِالْبَقَاءِ عَلَى دِينٍ مَنْسُوخٍ وَقَوْلُهُ: وَما يَشْعُرُونَ يُنَاسِبُ الِاحْتِمَالَيْنِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بالحالتين دَقِيق.
[٧٠، ٧١]
[سُورَة آل عمرَان (٣) : الْآيَات ٧٠ إِلَى ٧١]
يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٧٠) يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٧١)
الْتِفَاتٌ إِلَى خِطَابِ الْيَهُودِ. وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ. وَالْآيَاتُ: الْمُعْجِزَاتُ، وَلِذَلِكَ قَالَ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ. وَإِعَادَةُ نِدَائِهِمْ بِقَوْلِهِ: يَا أَهْلَ الْكِتابِ ثَانِيَةً لِقَصْدِ التَّوْبِيخِ وَتَسْجِيلِ بَاطِلِهِمْ عَلَيْهِمْ. وَلَبْسُ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ تَلْبِيسُ دِينِهِمْ بِمَا أَدْخَلُوا فِيهِ مِنَ الْأَكَاذِيبِ وَالْخُرَافَاتِ وَالتَّأْوِيلَاتِ الْبَاطِلَةِ، حَتَّى ارْتَفَعَتِ الثِّقَةُ بِجَمِيعِهِ. وَكِتْمَانُ الْحَقِّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ كِتْمَانُهُمْ تَصْدِيقَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ كِتْمَانُهُمْ مَا فِي التَّوْرَاةِ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي أَمَاتُوهَا وَعَوَّضُوهَا بِأَعْمَالِ أَحْبَارِهِمْ وَآثَارِ تَأْوِيلَاتِهِمْ، وَهُمْ يَعْلَمُونَهَا وَلَا يَعْمَلُونَ بِهَا.
[٧٢- ٧٤]
[سُورَة آل عمرَان (٣) : الْآيَات ٧٢ الى ٧٤]
وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٧٢) وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٧٣) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٧٤)
وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٧٢) وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ.
عَطْفٌ عَلَى وَدَّتْ طائِفَةٌ [آل عمرَان: ٦٩] . فَالطَّائِفَةُ الْأُولَى حَاوَلَتِ الْإِضْلَالَ بِالْمُجَاهَرَةِ، وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ حَاوَلَتْهُ بِالْمُخَادَعَةِ: قِيلَ أُشِيرَ إِلَى طَائِفَةٍ مِنَ الْيَهُودِ مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute