وَالْمَشْيُ: اسْتِعَارَةٌ لِتَشْوِيهِ حَالِهِ بِأَنَّهُ يَتَجَشَّمُ الْمَشَقَّةَ لِأَجْلِ النَّمِيمَةِ مِثْلُ ذِكْرِ السَّعْيِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً [الْمَائِدَة: ٦٤] ، ذَلِكَ أَنَّ أَسْمَاءَ الْأَشْيَاءِ الْمَحْسُوسَةِ أَشَدُّ وَقْعًا فِي تَصَوُّرِ السَّامِعِ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَعْقُولَاتِ، فَذِكْرُ الْمَشْيِ بِالنَّمِيمَةِ فِيهِ تَصْوِيرٌ لِحَالِ النَّمَّامِ، أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَكَ: قُطِعَ رَأْسُهُ أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ مِنْ قَوْلِكَ: قُتِلَ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّهُ
وَقَعَ مِثْلُهُ
فِي قَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ»
. وَالنَّمِيمُ: اسْمٌ مُرَادِفٌ لِلنَّمِيمَةِ، وَقِيلَ: النَّمِيمُ جَمْعُ نَمِيمَةٍ، أَيِ اسْمُ جَمْعٍ لِنَمِيمَةٍ إِذَا أُرِيدَ بِهَا الْوَاحِدَةُ وصيرورتها اسْما.
[١٢]
[سُورَة الْقَلَم (٦٨) : آيَة ١٢]
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢)
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ.
هَذِهِ مَذَمَّةٌ خَامِسَةٌ.
مَنَّاعٍ: شَدِيدُ الْمَنْعِ. وَالْخَيْرُ: الْمَالُ، أَيْ شَحِيحٌ، وَالْخَيْرُ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَالِ قَالَ تَعَالَى: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات: ٨] وَقَالَ: إِنْ تَرَكَ خَيْراً [الْبَقَرَة: ١٨٠] ، وَقَدْ رُوعِيَ تَمَاثُلُ الصِّيغَةِ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ الْأَرْبَعِ وَهِيَ حَلَّافٍ، هَمَّازٍ، مَشَّاءٍ، مَنَّاعٍ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ مُحَسِّنِ الْمُوَازَنَةِ.
وَالْمُرَادُ بِمَنْعِ الْخَيْرِ: مَنْعُهُ عَمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ ذَوِيِهِمْ وَأَقَارِبِهِمْ، يَقُولُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ لِمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِهِ أَوْ مَوَالِيهِ: مَنْ دَخَلَ مِنْكُمْ فِي دِينِ مُحَمَّدٍ لَا أَنْفَعُهُ بِشَيْءٍ أَبَدًا، وَهَذِهِ شَنْشَنَةٌ عُرِفُوا بِهَا مِنْ بَعْدُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي شَأْنِ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا [المُنَافِقُونَ: ٧] . وَأَيْضًا فَمِنْ مَنْعِ الْخَيْرِ مَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْطُونَ الْعَطَاءَ لِلْفَخْرِ وَالسُّمْعَةِ فَلَا يُعْطُونَ الضُّعَفَاءَ وَإِنَّمَا يُعْطُونَ فِي الْمَجَامِعِ وَالْقَبَائِلِ قَالَ تَعَالَى: وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ [الْفجْر: ١٨] . قِيلَ: كَانَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ يُنْفِقُ فِي الْحَجِّ فِي كُلِّ حَجَّةٍ عِشْرِينَ أَلْفًا يُطْعِمُ أَهْلَ مِنَى، وَلَا يُعْطِي الْمِسْكِينَ دِرْهَمًا وَاحِدًا.
مُعْتَدٍ أَثِيمٍ.
هُمَا مَذَمَّتَانِ سَادِسَةٌ وَسَابِعَةٌ قَرَنَ بَيْنَهُمَا لِمُنَاسَبَةِ الْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ.
وَالْاعْتِدَاءُ: مُبَالَغَةٌ فِي الْعُدْوَانِ فَالْافْتِعَالُ فِيهِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الشِّدَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute