للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمُحِيطُ: الْمَوْصُوفُ بِأَنَّهُ فَاعِلُ الْإِحَاطَةِ. وَأَصْلُ الْإِحَاطَةِ: حِصَارُ شَيْءٍ شَيْئًا مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ مِثْلَ إِحَاطَةِ الظَّرْفِ بِالْمَظْرُوفِ وَالسُّورِ بِالْبَلْدَةِ وَالسُّوَارِ بِالْمِعْصَمِ. وَفِي «الْمَقَامَاتِ الْحَرِيرِيَّةِ» :

«وَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ أَخْلَاطُ الزُّمَرِ، إِحَاطَةَ الْهَالَةِ بِالْقَمَرِ، وَالْأَكْمَامِ بِالثَّمَرِ» . وَيُطْلَقُ مَجَازًا فِي قَوْلِهِمْ: أَحَاطَ عِلْمُهُ بِكَذَا، وَأَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، بِمَعْنَى عِلْمِ كُلِّ مَا يَتَضَمَّنُ أَنْ يُعْلَمَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ شَاعَ ذَلِكَ فَحُذِفَ التَّمْيِيزُ وَأُسْنِدَتِ الْإِحَاطَةُ إِلَى الْعَالِمِ بِمَعْنَى: إِحَاطَةِ عِلْمِهِ، أَيْ شُمُولِ عِلْمِهِ لِجَمِيعِ مَا يُعْلَمُ فِي غَرَضٍ مَا، قَالَ تَعَالَى: وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ [الْجِنّ: ٢٨] أَيْ عِلْمُهُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ هُنَا: إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ وَالْمُرَادُ إِحَاطَةُ عِلْمِهِ.

وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِالتَّهْدِيدِ، وَأَنَّ اللَّهَ يُوشِكُ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ عَلَى مَا عَلِمَهُ من أَعْمَالهم.

[٩٣]

[سُورَة هود (١١) : آيَة ٩٣]

وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (٩٣)

. عَطَفَ نِدَاءً عَلَى نِدَاءٍ زِيَادَةً فِي التَّنْبِيهِ، وَالْمَقْصُودُ عَطْفُ مَا بَعْدَ النِّدَاءِ الثَّانِي عَلَى مَا بَعْدَ النِّدَاءِ الْأَوَّلِ.

وَجُمْلَةُ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ نَظِيرِهَا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ.

وَالْأَمْرُ لِلتَّهْدِيدِ. وَالْمَعْنَى: اعْمَلُوا مُتَمَكِّنِينَ مِنْ مَكَانَتِكُمْ، أَيْ حَالُكُمُ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا، أَيِ اعْمَلُوا مَا تُحِبُّونَ أَنْ تَعْمَلُوهُ بِي.

وَجُمْلَةُ إِنِّي عامِلٌ مُسْتَأْنَفَةٌ. وَلَمْ يَقْرِنْ حَرْفَ سَوْفَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالْفَاءِ وَقُرِنَ فِي آيَةِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ بِالْفَاءِ فَجُمْلَةُ سَوْفَ تَعْلَمُونَ هُنَا جُعِلَتْ مُسْتَأْنَفَةًِِِِ