للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَعْطَاهَا اللَّهُ تِلْكَ الْأَصْنَافَ وَلَمْ يَكْتَسِبُوهَا بِحَقِّ قِتَالٍ، فَاشْتَرَطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي اسْتِحْقَاقِهَا أَنْ يَكُونُوا مُحِبِّينَ لِسَلَفِهِمْ غَيْرَ حَاسِدِينَ لَهُمْ.

وَهُوَ يَعْنِي إِلَّا مَا كَانَ مِنْ شَنَآنٍ بَيْنَ شَخْصَيْنِ لِأَسْبَابٍ عَادِيَّةٍ أَوْ شَرْعِيَّةٍ مِثْلِ مَا كَانَ بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ حِينَ تَحَاكَمَا إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا الظَّالِمِ الْخَائِنِ الْغَادِرِ. وَمِثْلِ إِقَامَةِ عُمَرَ حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى أَبِي بَكْرَةَ.

وَأَمَّا مَا جَرَى بَيْنَ عَائِشَةَ وَعَلِيٍّ مِنَ النِّزَاعِ وَالْقِتَالِ وَبَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ مِنَ الْقِتَالِ فَإِنَّمَا كَانَ انْتِصَارًا لِلْحَقِّ فِي كِلَا رَأْيَيِ الْجَانِبَيْنِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغِلٍّ أَوْ تَنَقُّصٍ، فَهُوَ كَضَرْبِ الْقَاضِي

أَحَدًا تَأْدِيبًا لَهُ فَوَجَبَ إِمْسَاكُ غَيْرِهِمْ مِنَ التَّحَزُّبِ لَهُمْ بَعْدَهُمْ فَإِنَّهُ وَإِنْ سَاغَ ذَلِك لآحادهم لتكافىء دَرَجَاتِهِمْ أَوْ تَقَارُبِهَا. وَالظَّنُّ بِهِمْ زَوَالُ الْحَزَازَاتِ مِنْ قُلُوبِهِمْ بِانْقِضَاءِ تِلْكَ الْحَوَادِثِ، لَا يُسَوِّغُ ذَلِكَ لِلْأَذْنَابِ مِنْ بَعْدِهِمُ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْهُمْ فِي عِيرٍ وَلَا نَفِيرٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مَسْحَةٌ مِنْ حَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ نَخَرَتْ عَضُدَ الْأمة المحمدية.

[١١]

[سُورَة الْحَشْر (٥٩) : آيَة ١١]

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١١)

أَعْقَبَ ذِكْرَ مَا حَلَّ بِبَنِي النَّضِيرِ وَمَا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ بَيَانِ أَسْبَابِهِ، ثُمَّ بَيَانِ مَصَارِفِ فَيْئِهِمْ وَفَيْءِ مَا يُفْتَحُ مِنَ الْقُرَى بَعْدَ ذَلِكَ، بِذِكْرِ أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ مَعَ بَنِي النَّضِيرِ وَتَغْرِيرِهِمْ بِالْوُعُودِ الْكَاذِبَةِ لِيَعْلَمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ النِّفَاقَ سَجِيَّةٌ فِي أُولَئِكَ لَا يَتَخَلَّوْنَ عَنْهُ وَلَوْ فِي جَانِبِ قَوْمٍ هُمُ الَّذِينَ يَوَدُّونَ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ.

وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيبِ مِنْ حَالِ الْمُنَافِقِينَ فَبُنِيَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِحَالِهِمْ كِنَايَةً عَنِ التَّحْرِيضِ عَلَى إِيقَاعِ هَذَا الْعِلْمِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: تَأَمَّلَ الَّذِينَ نَافَقُوا فِي حَالِ مَقَالَتِهِمْ لِإِخْوَانِهِمْ وَلَا تَتْرُكِ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ حَالٌ عَجِيبٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ مَعْنَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى كَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ