وَجُمْلَةُ يَقُولُونَ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي. وَالتَّقْدِيرُ: أَلَمْ تَرَهُمْ قَائِلِينَ. وَجِيءَ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ لِقَصْدِ تَكَرُّرِ ذَلِكَ مِنْهُمْ، أَيْ يَقُولُونَ ذَلِكَ مُؤَكِّدِينَهُ وَمُكَرِّرِينَهُ لَا عَلَى سَبِيلِ الْبِدَاءِ أَوِ الْخَاطِرِ الْمَعْدُولِ عَنْهُ.
والَّذِينَ نافَقُوا الْمُخْبَرُ عَنْهُمْ هُنَا هُمْ فَرِيقٌ مِنْ بَنِي عَوْفٍ مِنَ الْخَزْرَجِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ سُمِّيَ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَبْتَلٍ، وَرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَرَافِعَةُ بْنُ تَابُوتٍ، وَأَوْس بن قيظي، وَوَدِيعَةُ بْنُ أَبِي قَوْتَلٍ، أَوِ ابْنُ قَوْقَلٍ، وَسُوَيْدٌ (لَمْ يُنْسَبْ) وَدَاعِسٌ (لَمْ يُنْسَبْ) ، بَعَثُوا إِلَى بَنِي النَّضِيرِ حِينَ حَاصَرَ جَيْشُ الْمُسْلِمِينَ بَنِي النَّضِيرِ يَقُولُونَ لَهُمْ:
اثْبُتُوا فِي مَعَاقِلِكُمْ فَإِنَّا مَعَكُمْ.
وَالْمُرَادُ بِإِخْوَانِهِمْ بَنُو النَّضِيرِ وَإِنَّمَا وَصَفَهُمْ بِالْإِخُوَّةِ لَهُمْ لِأَنَّهُمَ كَانُوا مُتَّحِدِينَ فِي الْكُفْرِ برسالة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ أُخُوَّةَ النَّسَبِ فَإِنَّ بَنِي النَّضِيرِ مِنَ الْيَهُودِ، وَالْمُنَافِقِينَ
الَّذِينَ بَعَثُوا إِلَيْهِمْ مِنْ بَنِي عَوْفٍ مِنْ عَرَبِ الْمَدِينَةِ وَأَصْلُهُمْ مِنَ الْأَزْدِ.
وَفِي وَصْفِ إِخْوَانِهِمْ بِ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَاءٌ إِلَى أَنْ جَانِبَ الْأُخُوَّةِ بَيْنَهُمْ هُوَ الْكُفْرُ إِلَّا أَنَّ كُفْرَ الْمُنَافِقِينَ كُفْرُ الشِّرْكِ وَكُفْرَ إِخْوَانِهِمْ كُفْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهُوَ الْكُفْرُ برسالة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَلَامُ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ مُوطِئَةٌ لِلْقَسَمِ، أَيْ قَالُوا لَهُمْ كَلَامًا مُؤَكَّدًا بِالْقَسَمِ.
وَإِنَّمَا وَعَدُوهُمْ بِالْخُرُوجِ مَعَهُمْ لِيَطْمَئِنُّوا لِنُصْرَتِهِمْ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ النَّصْرِ وَإِلَّا فَإِنَّهُمْ لَا يَرْضَوْنَ أَنْ يُفَارِقُوا بِلَادَهُمْ.
وَجُمْلَةُ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ فَهِيَ مِنَ الْمَقُولِ لَا مِنَ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ، وَقَدْ أُعْرِيَتْ عَنِ الْمُؤَكَّدِ لِأَنَّ بَنِي النَّضِيرِ يَعْلَمُونَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يطيعون الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ فَكَانَ الْمُنَافِقُونَ فِي غُنْيَةٍ عَنْ تَحْقِيقِ هَذَا الْخَبَرِ.
وَمَعْنَى فِيكُمْ فِي شَأْنِكُمْ، وَيُعْرَفُ هَذَا بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ، أَيْ فِي ضُرِّكُمْ إِذْ لَا يَخْطُرُ بِالْبَالِ أَنَّهُمْ لَا يُطِيعُونَ مَنْ يَدْعُوهُمْ إِلَى مُوَالَاةِ إِخْوَانِهِمْ، وَيُقَدَّرُ الْمُضَافُ فِي مِثْلِ هَذَا بِمَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ، [الْمَائِدَة: ٥٢]