رَحْمَتِهِ وَيُمْهِلُ الْمُعَانِدِينَ إِلَى عِقَابِ الْآخِرَةِ، فَهُوَ رَحْمَانٌ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ كَثُرَ إِتْبَاعُ اسْمِ الْجَلَالَةِ بِصِفَتَيِ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ فِي الْقُرْآنِ كَمَا فِي الْفَاتِحَةِ.
[٢٣]
[سُورَة الْحَشْر (٥٩) : آيَة ٢٣]
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٢٣)
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ.
الْقَوْلُ فِي ضَمِيرِ هُوَ كَالْقَوْلِ فِي نَظِيرِهِ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى. وَهَذَا تَكْرِيرٌ لِلِاسْتِئْنَافِ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ تَعْظِيمٍ وَهُوَ مِنْ مَقَامَاتِ التَّكْرِيرِ، وَفِيهِ اهْتِمَامٌ بِصِفَةِ الْوَحْدَانِيَّةِ.
والْمَلِكُ: الْحَاكِمُ فِي النَّاسِ، وَلَا مَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا وَصْفُ غَيْرِهِ بِالْمَلِكِ فَهُوَ بِالْإِضَافَةِ إِلَى طَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ النَّاسِ. وَعُقِّبَ وَصْفَا الرَّحْمَةِ بِوَصْفِ الْمَلِكُ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ رَحْمَتَهُ فَضْلٌ وَأَنَّهُ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ كَمَا وَقَعَ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ.
والْقُدُّوسُ بِضَمِّ الْقَافِ فِي الْأَفْصَحِ، وَقَدْ تُفْتَحُ الْقَافُ قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: فَعُّولٌ فِي الصِّفَةِ قَلِيلٌ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْأَسْمَاءِ مِثْلِ تَنُّورٍ وَسَفُّودٍ وَعَبُّودٍ. وَذَكَرَ سِيبَوَيْهِ السّبّوح والقدوس بِالْفَتْحِ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: لَمْ يَرِدْ فُعُّولٌ بِضَمِّ أَوَّلِهِ إِلَّا الْقُدُّوسُ وَالسُّبُوحُ. وَزَادُ غَيْرُهُ الذُّرُّوحُ، وَهُوَ ذُبَابٌ أَحْمَرُ مُتَقَطِّعُ الْحُمْرَةِ بِسَوَادٍ يُشْبِهُ الزُّنْبُورَ. وَيُسَمَّى فِي اصْطِلَاحِ الْأَطِبَّاءِ ذُبَابَ الْهِنْدِ. وَمَا عَدَاهُمَا مَفْتُوحٌ مِثْلَ سَفُّودٍ وَكَلُّوبٍ. وَتَنُّورٍ وَسَمُّورٍ وَشَبُّوطٍ (صِنْفٌ مِنَ الْحُوتِ) وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ سُبُّوحٌ وَقُدُّوسٌ صَارَا اسْمَيْنِ.
وَعَقَّبَ بِ الْقُدُّوسُ وَصْفِ الْمَلِكُ لِلِاحْتِرَاسِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ نَقَائِصِ الْمُلُوكِ الْمَعْرُوفَةِ مِنَ الْغُرُورِ، وَالِاسْتِرْسَالِ فِي الشَّهَوَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ نَقَائِصِ النُّفُوسِ.
والسَّلامُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمُسَالَمَةِ وُصِفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى طَرِيقَةِ الْوَصْفِ بِالْمَصْدَرِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْوَصْفِ، أَيْ ذُو السَّلَامِ، أَيِ السَّلَامَةِ، وَهِيَ أَنَّهُ تَعَالَى سَالَمَ الْخَلْقَ مِنَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ.
وَفِي الْحَدِيثِ «إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ وَمِنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute