فَأُبْطِلَ ذَلِكَ بِهَذَا الْقَصْرِ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ [العنكبوت: ١٧] ، وَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الْحَج:
٧٣] .
[٥٩]
[سُورَة الذاريات (٥١) : آيَة ٥٩]
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩)
تَفْرِيعٌ عَلَى جُمْلَةِ وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦] بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ سِيَاقِهِ إِبْطَالُ عِبَادَتِهِمْ غَيْرَ اللَّهِ، أَيْ فَإِذَا لَمْ يُفْرِدْنِي الْمُشْرِكُونَ بِالْعِبَادَةِ فَإِنَّ لَهُمْ ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ، وَهُوَ يُلْمِحُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذِكْرِ مَا عُوقِبَتْ بِهِ الْأُمَمُ السَّالِفَةُ مِنْ قَوْلِهِ: قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ [الذاريات:
٣٢- ٤٦] .
وَالْمَعْنَى: فَإِذَا مَاثَلَهُمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا فَإِنَّ لَهُمْ نَصِيبًا عَظِيمًا مِنَ الْعَذَابِ مِثْلَ نَصِيبِ أُولَئِكَ.
وَالَّذِينَ ظَلَمُوا: الَّذِينَ أَشْرَكُوا مِنَ الْعَرَبِ، وَالظُّلْمُ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ.
وَالذَّنُوبُ بِفَتْحِ الذَّالِ: الدَّلْو الْعَظِيمَة يَسْتَقِي بِهَا السُّقَاةُ عَلَى الْقَلِيبِ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الرُّؤْيَا «ثُمَّ أَخَذَهَا أَبُو بكر فَفَزعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ» وَلَا تُسَمَّى ذَنُوبًا إِلَّا إِذَا كَانَتْ مَلْأَى.
وَالْكَلَامُ تَمْثِيلٌ لِهَيْئَةٍ تُسَاوِي حَظَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنَ الْعَرَبِ بِحُظُوظِ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ بِهَيْئَةِ الَّذِينَ يَسْتَقُونَ مِنْ قَلِيبٍ وَاحِدٍ إِذْ يَتَسَاوُونَ فِي أَنْصِبَائِهِمْ مِنَ الْمَاءِ، وَهُوَ مِنْ تَشْبِيهِ الْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ، وَأَطْلَقَ عَلَى الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ اسْمَ وَصْفِ أَصْحَابِ الَّذِينَ ظَلَمُوا بِاعْتِبَارِ الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا إِذْ هِيَ هَيْئَةُ جَمَاعَاتِ الْوِرْدِ يَكُونُونَ مُتَصَاحِبِينَ.
وَهَذَا التَّمْثِيلُ قَابل للتوزيع بِأَنَّهُ يُشَبَّهَ الْمُشْرِكُونَ بِجَمَاعَةٍ وَرَدَتْ عَلَى الْمَاءِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute