للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انْتِقَالًا مِنْ وَصْفِ تَكْذِيبِهِمْ بِالنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَدَمِ اتِّعَاظِهِمْ بِمَا حَلَّ بِالْمُكَذِّبِينَ مِنَ الْأُمَمِ إِلَى ذِكْرِ تَكْذِيبِهِمْ بِالْبَعْثِ، فَيَكُونُ انْتِهَاءُ الْكَلَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ: أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها وَهُوَ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي الِاسْتِفْهَامِ. وَعَبَّرَ عَنْ إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ بِعَدَمِ رَجَائِهِ لِأَنَّ مُنْكِرَ الْبَعْثِ لَا يَرْجُو مِنْهُ نَفْعًا وَلَا يَخْشَى مِنْهُ ضُرًّا، فَعَبَّرَ عَنْ إِنْكَارِ الْبَعْثِ بِأَحَدِ شِقَّيِ الْإِنْكَارِ تَعْرِيضًا بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِثْلَ الْمُؤْمِنِينَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ.

وَالنُّشُورُ: مَصْدَرُ نَشَرَ الْمَيِّتَ أَحْيَاهُ، فَنَشَرَ، أَيْ حَيِيَ. وَهُوَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي جَرَتْ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى مَعْنَى التَّخَيُّلِ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَهُ، وَيُرْوَى لِلْمُهَلْهِلِ فِي قِتَالِهِ لِبَنِي بَكْرِ ابْن وَائِلٍ الَّذِينَ قَتَلُوا أَخَاهُ كُلَيْبًا قَوْلُهُ:

يَا لَبَكْرٍ انْشُرُوا لِي كُلَيْبًا ... يَا لَبَكْرٍ أَيْنَ أَيْنَ الْفِرَارُ

فَإِذَا صَحَّتْ نِسْبَةُ الْبَيْتِ إِلَيْهِ كَانَ مُرَادُهُ مِنْ ذَلِكَ تَعْجِيزَهُمْ لِيُتَوَسَّلَ إِلَى قِتَالِهِمْ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمُ اسْتِعْدَادٌ لِلِاعْتِبَارِ، لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ يَنْشَأُ عَنِ الْمُرَاقَبَةِ وَمُحَاسَبَةِ النَّفْسِ لِطَلَبِ النَّجَاةِ، وَهَؤُلَاءِ الْمُشْركُونَ لما نشأوا عَلَى إِهْمَالِ الِاسْتِعْدَادِ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ قَصُرَتْ أَفْهَامُهُمْ عَلَى هَذَا الْعَالَمِ الْعَاجِلِ فَلَمْ يُعْنَوْا إِلَّا بِأَسْبَابِ وَسَائِلِ الْعَاجِلَةِ، فَهُمْ مَعَ زَكَانَتِهِمْ فِي تَفَرُّسِ الذَّوَاتِ وَالشِّيَاتِ وَمُرَاقَبَةِ سَيْرِ النُّجُومِ وَأَنْوَاءِ الْمَطَرِ وَالرِّيحِ وَرَائِحَةِ أَتْرِبَةِ مَنَازِلِ الْأَحْيَاءِ، هُمْ مَعَ ذَلِكَ كُلِّه مُعْرِضُونَ بِأَنْظَارِهِمْ عَنْ تَوَسُّمِ الْإِلَهِيَّاتِ وَحَيَاةِ الْأَنْفُسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَصْلُ ذَلِكَ الضَّلَالِ كُلِّهِ انْجَرَّ لَهُمْ مِنْ إِنْكَارِ الْبَعْثِ فَلِذَلِكَ جُعِلَ هُنَا عِلَّةً لِانْتِفَاءِ اعْتِبَارِهِمْ بِمَصِيرِ أُمَّةٍ كَذَّبَتْ رَسُولهَا وَعَصَتْ رَبَّهَا. وَفِي هَذَا الْمَعْنَى جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [الْحجر: ٧٥] أَيْ دُونَ مَنْ لَا

يتوسمون.

[٤١، ٤٢]

[سُورَة الْفرْقَان (٢٥) : الْآيَات ٤١ إِلَى ٤٢]

وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً (٤١) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٢)

كَانَ مَا تَقَدَّمَتْ حِكَايَتُهُ مِنْ صُنُوفِ أَذَاهُمُ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَقْوَالًاِِ