للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْقَمَر (٥٤) : الْآيَات ١٠ إِلَى ١٤]

فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤)

تَفْرِيعٌ عَلَى كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ [الْقَمَر: ٩] وَمَا تَفَرَّعَ عَلَيْهِ.

وَالْمَغْلُوبُ مَجَازٌ، شَبَّهَ يَأْسَهُ مِنْ إِجَابَتِهِمْ لِدَعْوَتِهِ بِحَالِ الَّذِي قَاتَلَ أَوْ صَارَعَ فَغَلَبَهُ مُقَاتِلُهُ، وَقَدْ حَكَى اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ نُوحٍ كَيْفَ سَلَكَ مَعَ قَوْمِهِ وَسَائِلَ الْإِقْنَاعِ بِقَبُولِ دَعْوَتِهِ فَأَعْيَتْهُ الْحِيَلُ.

وأَنِّي بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَلَى تَقْدِيرِ بَاءِ الْجَرِّ مَحْذُوفَةٍ، أَيْ دَعَا بِأَنِّي مَغْلُوبٌ، أَيْ بِمَضْمُونِ هَذَا الْكَلَامِ فِي لُغَتِهِ.

وَحَذَفَ مُتَعَلِّقَ فَانْتَصِرْ لِلْإِيجَازِ وَلِلرَّعْيِ عَلَى الْفَاصِلَةِ وَالتَّقْدِيرُ: فَانْتَصِرْ لِي، أَيِ انْصُرْنِي.

وَجُمْلَةُ فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ إِلَى آخِرِهَا مُفَرَّعَةٌ عَلَى جُمْلَةِ فَدَعا رَبَّهُ، فَفُهِمَ مِنَ التَّفْرِيعِ أَنَّ اللَّهَ اسْتَجَابَ دَعْوَتَهُ وَأَنَّ إِرْسَالَ هَذِهِ الْمِيَاهِ عِقَابٌ لِقَوْمِ نُوحٍ. وَحَاصِلُ الْمَعْنَى:

فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ الْمُحْكَمَةِ السَّرِيعَةِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ فَفَتَحْنا بِتَخْفِيفِ التَّاءِ. وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ بِتَشْدِيدِهَا عَلَى الْمُبَالَغَةِ.

وَالْفَتْحُ بِمَعْنَى شِدَّةِ هُطُولِ الْمَطَرِ.

وَجُمْلَةُ فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ مُرَكَّبٌ تَمْثِيلِيٌ لِهَيْئَةِ انْدِفَاقِ الْأَمْطَارِ مِنَ الْجَوِّ بِهَيْئَةِ خُرُوجِ الْجَمَاعَاتِ مِنْ أَبْوَابِ الدَّارِ عَلَى طَرِيقَةِ:

وَسَالَتْ بِأَعْنَاقِ الْمَطِيِّ الْأَبَاطِحُ وَالْمُنْهَمِرُ: الْمُنْصَبُّ، أَيِ المصبوب يُقَال: عمر الْمَاءَ إِذَا صَبَّهُ، أَيْ نَازِلٌ بِقُوَّةٍ.