للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَنْ عَصَاهُ، وَذُكِرَ أَنَّهُ أَرَادَ مِنْ إِسْكَانِ أَبْنَائِهِ بِمَكَّةَ رَجَاءَ أَنْ يَكُونُوا حُرَّاسَ بَيْتِ اللَّهِ، وَأَنْ يُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَأَنْ يشكروا النعم المسئولة لَهُمْ. وَفِيهِ تَعْلِيمٌ لِأَهْلِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِعُمُومِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يُرَاقِبُوهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَيُخَلِّصُوا النِّيَّةَ إِلَيْهِ.

وَجُمْلَةُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ تَذْيِيلٌ لِجُمْلَةِ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَما نُعْلِنُ، أَيْ تَعْلَمُ أَحْوَالَنَا وَتَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. وَلِكَوْنِهَا تَذْيِيلًا أُظْهِرَ فِيهَا اسْمُ الْجَلَالَةِ لِيَكُونَ التَّذْيِيلُ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَثَلِ وَالْكَلَام الْجَامِع.

[٣٩]

[سُورَة إِبْرَاهِيم (١٤) : آيَة ٣٩]

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩)

لَمَّا دَعَا اللَّهُ لِأَهَمِّ مَا يُهِمَّهُ وَهُوَ إِقَامَةُ التَّوْحِيدِ وَكَانَ يَرْجُو إِجَابَةَ دَعْوَتِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعَجَبٍ فِي أَمْرِ اللَّهِ خَطَرَ بِبَالِهِ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ بِمَا كَانَ يَسْأَلُهُ وَهُوَ أَنْ وَهَبَ لَهُ وَلَدَيْنِ فِي إِبَّانِ

الْكِبَرِ وَحِينَ الْيَأْسِ مِنَ الْوِلَادَةِ فَنَاجَى اللَّهَ فَحَمِدَهُ عَلَى ذَلِكَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ سُمَيْعُ الدُّعَاءِ، أَيْ مُجِيبٌ، أَيْ مُتَّصِفٌ بِالْإِجَابَةِ وَصْفًا ذَاتِيًّا، تَمْهِيدًا لِإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ هَذِهِ كَمَا أَجَابَ دَعْوَتَهُ سَلَفًا. فَهَذَا مُنَاسَبَةُ مَوْقِعِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بَعْدَ مَا قَبْلَهَا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ.

وَاسْمُ الْمَوْصُولِ إِيمَاءٌ إِلَى وَجْهِ بِنَاءِ الْحَمْدِ. وعَلَى فِي قَوْلِهِ: عَلَى الْكِبَرِ لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ بِمَعْنَى مَعَ، أَيْ وَهَبَ ذَلِكَ تَعَلِّيًا عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ لَا تَسْمَحَ بِذَلِكَ. وَلِذَلِكَ يُفَسِّرُونَ عَلَى هَذِهِ بِمَعْنَى مَعَ، أَيْ مَعَ الْكِبَرِ الَّذِي لَا تَحْصُلُ مَعَهُ الْوِلَادَةُ. وَكَانَ عُمْرُ إِبْرَاهِيمَ حِينَ وُلِدَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ- عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- سِتًّا وَثَمَانِينَ سَنَةً (٨٦) . وَعُمْرُهُ حِينَ وُلِدَ لَهُ إِسْحَاقُ- عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- مِائَةَ سَنَةٍ (١٠٠) . وَكَانَ لَا يُولَدُ لَهُ مِنْ قَبْلُ.

وَجُمْلَةُ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ وَهَبَ، أَيْ وَهَبَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاءِ. وَالسَّمِيعُ مُسْتَعْمَلٌ فِي إِجَابَةِ الْمَطْلُوبِ كِنَايَةً، وَصِيغَ