للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ رَابِعٌ عَنْ ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ بِالْجَرِّ نَعَتَا لِلْعَرْشِ فَوَصْفُ الْعَرْشِ بِالْمَجْدِ كِنَايَةٌ عَنْ مَجْدِ صَاحِبِ الْعَرْشِ.

ثُمَّ ذَيَّلَ ذَلِكَ بِصِفَةٍ جَامِعَةٍ لِعَظَمَتِهِ الذَّاتِيَّةِ وَعَظَمَةِ نِعَمِهِ بِقَوْلِهِ: فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ أَيْ إِذَا تَعَلَّقَتْ إِرَادَتُهُ بِفِعْلٍ، فَعَلَهُ عَلَى أَكْمَلِ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ إِرَادَتُهُ لَا يَنْقُصُهُ شَيْء وَلَا يبطىء بِهِ مَا أَرَادَ تَعْجِيلَهُ. فَصِيغَةُ الْمُبَالَغَةِ فِي قَوْلِهِ: فَعَّالٌ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْكَثْرَةِ فِي الْكَمِّيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةِ.

وَالْإِرَادَةُ هُنَا هِيَ الْمَعْرِفَةُ عِنْدَنَا بِأَنَّهَا صِفَةُ تَخَصُّصِ الْمُمْكِنِ بِبَعْضِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَهِيَ غَيْرُ الْإِرَادَةِ بِمَعْنَى الْمَحَبَّةِ مِثْلُ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ [الْبَقَرَة: ١٨٥] .

[١٧، ١٨]

[سُورَة البروج (٨٥) : الْآيَات ١٧ إِلَى ١٨]

هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨)

مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ [البروج: ١٢] فَالْخِطَابُ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى كَوْنِ بَطْشِهِ تَعَالَى شَدِيدًا بِبَطْشَيْنِ بَطَشَهُمَا بِفِرْعَوْنَ وَثَمُودَ بَعْدَ أَنْ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ [البروج: ١٣] فَذَلِكَ تَعْلِيلٌ، وَهَذَا تَمْثِيلٌ وَدَلِيلٌ.

وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي إِرَادَةٍ لِتَهْوِيلِ حَدِيثِ الْجُنُودِ بِأَنَّهُ يُسْأَلُ عَنْ عِلْمِهِ، وَفِيهِ تَعْرِيضٌ لِلْمُشْرِكِينَ بِأَنَّهُمْ قَدْ يَحِلُّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِأُولَئِكَ: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولى وَثَمُودَ فَما أَبْقى إِلَى قَوْلِهِ: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى [النَّجْم: ٥٠- ٥٥] .

وَالْخِطَابُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ مِمَّنْ يُرَادُ مَوْعِظَتُهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كِنَايَةً عَنِ التَّذْكِيرِ بِخَبَرِهِمْ لِأَنَّ حَالَ الْمُتَلَبِّسِينَ بِمِثْلِ صنيعهم الراكبين رؤوسهم فِي الْعِنَادِ، كَحَالِ مَنْ لَا يَعْلَمُ خَبَرَهُمْ فَيُسْأَلُ هَلْ بَلَغَهُ خَبَرُهُمْ أَوْ لَا، أَوْ خِطَابًا لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ تَعْجِيبًا مِنْ حَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي إِعْرَاضِهِمْ عَنِ الِاتِّعَاظِ بِذَلِكَ فَيَكُونُ الِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلًا فِي التَّعْجِيبِ.

وَالْإِتْيَانُ: مُسْتَعَارٌ لِبُلُوغِ الْخَبَرِ، وَالْحَدِيثُ: الْخَبَرُ. وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ النَّازِعَاتِ.

والْجُنُودِ: جَمْعُ جُنْدٍ وَهُوَ الْعَسْكَرُ الْمُتَجَمِّعُ لِلْقِتَالِ. وَأُطْلِقَ عَلَى الْأُمَمِ الَّتِي