للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَبْلَ الْإِسْلَامِ لِقِلَّةِ خُطُورِ مِثْلِ تِلْكَ الْمَعَانِي فِي مُخَاطَبَاتِ عَامَّةِ الْعَرَبِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ اللَّهْمِ وَهُوَ الْبَلْعُ دَفْعَةً، يُقَالُ: لَهِمَ كَفَرِحَ، وَأَمَّا إِطْلَاقُ الْإِلْهَامِ عَلَى عِلْمٍ يَحْصُلُ لِلنَّفْسِ بِدُونِ مُسْتَنَدٍ فَهُوَ إِطْلَاقٌ اصْطِلَاحِيٌّ لِلصُّوفِيَّةِ.

وَالْمَعْنَى هُنَا: أَنَّ مِنْ آثَارِ تَسْوِيَةِ النَّفْسِ إِدْرَاكَ الْعُلُومِ الْأَوَّلِيَّةِ وَالْإِدْرَاكُ الضَّرُورِيُّ الْمُدَرَّجُ ابْتِدَاءً مِنَ الِانْسِيَاقِ الْجِبِلِيِّ نَحْوَ الْأُمُورِ النَّافِعَةِ كَطَلَبِ الرَّضِيعِ الثَّدْيَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَمِنْهُ اتِّقَاءُ الضَّارِّ كَالْفِرَارِ مِمَّا يُكْرَهُ، إِلَى أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ إِلَى أَوَّلِ مَرَاتِبِ الِاكْتِسَابِ بِالنَّظَرِ الْعَقْلِيِّ، وَكُلُّ ذَلِكَ إِلْهَامٌ.

وَتَعْدِيَةُ الْإِلْهَامِ إِلَى الْفُجُورِ وَالتَّقْوَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمَ النَّاسَ بِمَا هُوَ فُجُورٌ وَمَا هُوَ تَقْوَى بِوَاسِطَةِ الرُّسُلِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَوْلَا مَا أَوْدَعَ اللَّهُ فِي النُّفُوسِ مِنْ إِدْرَاكِ الْمَعْلُومَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ مَرَاتِبِهَا لَمَا فَهِمُوا مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ الشَّرَائِعُ الْإِلَهِيَّةُ، فَلَوْلَا الْعُقُولُ لَمَا تَيَسَّرَ إِفْهَامُ الْإِنْسَانِ الْفُجُورَ وَالتَّقْوَى، وَالْعِقَابَ وَالثَّوَابَ.

وَتَقْدِيمُ الْفُجُورِ عَلَى التَّقْوَى مُرَاعًى فِيهِ أَحْوَالُ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ السُّورَةِ وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَأَكْثَرُ أَعْمَالِهِمْ فُجُورٌ وَلَا تَقْوَى لَهُمْ، وَالتَّقْوَى صِفَةُ أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ قَلِيلٌ يَوْمَئِذٍ.

وَمَجِيءُ فِعْلِ: «أَلْهَمَهَا» بِصِيغَةِ الْإِسْنَادِ إِلَى ضَمِيرٍ مُذَكَّرٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّ تَأْنِيثَ مَصْدَرِ

التَّسْوِيَةِ تَأْنِيثٌ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ أَوْ لِمُرَاعَاةِ لِفَظِ مَا إِنْ جَعلتهَا مَوْصُولَة.

[٩، ١٠]

[سُورَة الشَّمْس (٩١) : الْآيَات ٩ إِلَى ١٠]

قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (١٠)

يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ جَوَابَ الْقَسَمِ، وَأَنَّ الْمَعْنَى تَحْقِيقُ فَلَاحِ الْمُؤْمِنِينَ وَخَيْبَةِ الْمُشْرِكِينَ كَمَا جُعِلَ فِي سُورَةِ اللَّيْلِ [٤، ٥] جَوَابَ الْقَسَمِ قَوْلُهُ: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فَأَمَّا مَنْ أَعْطى إِلَخْ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةً مُعْتَرِضَةً بَيْنَ الْقَسَمِ وَالْجَوَابِ لِمُنَاسَبَةِ ذِكْرِ إِلْهَامِ الْفُجُورِ وَالتَّقْوَى، أَيْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ وَاتَّبَعَ مَا أَلْهَمَهُ اللَّهُ مِنَ التَّقْوَى، وَخَابَ مَنِ اخْتَارَ الْفُجُورَ بَعْدَ أَنْ أُلْهِمَ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ بِالْإِدْرَاكِ وَالْإِرْشَادِ الْإِلَهِيِّ.