وَتَسْوِيَةُ النَّفْسِ: خَلْقُهَا سَوَاءً، أَيْ غَيْرُ مُتَفَاوِتَةِ الْخَلْقِ، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الِانْفِطَارِ [٧] عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ وَمَا فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ مِنْ قَوْلِهِ: وَما بَناها، أَوْ مَا طَحاها، وَما سَوَّاها، إِمَّا مَصْدَرِيَّةٌ يُؤَوَّلُ الْفِعْلُ بَعْدَهَا بِمَصْدَرٍ فَالْقَسَمُ بِأُمُورٍ مِنْ آثَارِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ صِفَاتُ الْفِعْلِ الْإِلَهِيَّةُ وَهِيَ رَفْعُهُ السَّمَاءَ وَطَحْوُهُ الْأَرْضَ وَتَسْوِيَتُهُ الْإِنْسَانَ.
وَعُطِفَ فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها عَلَى سَوَّاها، فَهُوَ مُقْسَمٌ بِهِ، وَفِعْلُ «أَلْهَمَهَا» فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى صِلَةِ مَا الْمَصْدَرِيَّةِ، وَعُطِفَ بِالْفَاءِ لِأَن الإلهام ناشىء عَنِ التَّسْوِيَةِ، فَضَمِيرُ الرَّفْعِ فِي «أَلْهَمَهَا» عَائِدٌ إِلَى التَّسْوِيَةِ وَهِيَ الْمَصْدَرُ الْمَأْخُوذُ مِنْ سَوَّاها وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا مَوْصُولَةً صَادِقَةً عَلَى فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَجُمْلَةُ بَناها صِلَةُ الْمَوْصُولِ، أَيْ وَالْبِنَاءِ الَّذِي بَنَى السَّمَاءَ، وَالطَّحْوِ الَّذِي طَحَا الْأَرْضَ وَالتَّسْوِيَةِ الَّتِي سَوَّتِ النَّفْسَ.
فَالتَّسْوِيَةُ حَاصِلَةٌ مِنْ وَقْتِ تَمَامِ خِلْقَةِ الْجَنِينِ مِنْ أَوَّلِ أَطْوَارِ الصِّبَا إِذِ التَّسْوِيَةُ تَعْدِيلُ الْخِلْقَةِ وَإِيجَادُ الْقُوَى الْجَسَدِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ ثُمَّ تَزْدَادُ كَيْفِيَّةُ الْقُوَى فَيَحْصُلُ الْإِلْهَامُ وَالْإِلْهَامُ: مَصْدَرُ أَلْهَمَ، وَهُوَ فِعْلٌ مُتَعَدٍّ بِالْهَمْزَةِ وَلَكِنَّ الْمُجَرَّدَ مِنْهُ مُمَاتٌ وَالْإِلْهَامُ اسْمٌ قَلِيلُ الْوُرُودِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَهْلُ اللُّغَةِ شَاهِدًا لَهُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ.
وَيُطْلَقُ الْإِلْهَامُ إِطْلَاقًا خَاصًّا عَلَى حُدُوثِ عِلْمٍ فِي النَّفْسِ بِدُونِ تَعْلِيمٍ وَلَا تَجْرِبَةٍ وَلَا تَفْكِيرٍ فَهُوَ عِلْمٌ يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ سَوَاءٌ مَا كَانَ مِنْهُ وِجْدَانِيًّا كَالِانْسِيَاقِ إِلَى الْمَعْلُومَاتِ الضَّرُورِيَّةِ وَالْوِجْدَانِيَّةِ، وَمَا كَانَ مِنْهُ عَن دَلِيل كالتجربيات وَالْأُمُورِ الْفِكْرِيَّةِ والنظرية.
وإيثار هَذَا الْفِعْلِ هُنَا لِيَشْمَلَ جَمِيعَ عُلُومِ الْإِنْسَانِ، قَالَ الرَّاغِبُ: الْإِلْهَامُ: إِيقَاعُ الشَّيْءِ فِي الرُّوعِ وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَا كَانَ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَجِهَةِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى اهـ.
وَلِذَلِكَ فَهَذَا اللَّفْظُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ الْقُرْآنِ يَكُنْ مِمَّا أَحْيَاهُ الْقُرْآنُ لِأَنَّهُ اسْمٌ دَقِيقُ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعَانِي النَّفْسِيَّةِ وَقَلِيلٌ رَوَاجُ أَمْثَالِ ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute