لِلْمَقْصُودِ وَانْتِفَاءِ الْأَمْرِ الثَّالِثِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّبَنِّي، فَاشْتَرَكَ التَّمْهِيدُ وَالْمَقْصُودُ فِي انْتِفَاءِ الْحَقِّيَّةِ، وَهُوَ أَتَمُّ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَقْصُودِ وَالتَّمْهِيدِ.
وَهَذَا كُلُّهُ زِيَادَةُ تَحْرِيضٍ عَلَى تَلَقِّي أَمْرِ اللَّهِ بِالْقَبُولِ وَالِامْتِثَالِ وَنَبْذِ مَا خَالَفَهُ.
[٥]
[سُورَة الْأَحْزَاب (٣٣) : آيَة ٥]
ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥)
ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ.
اسْتِئْنَافٌ بِالشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ مِنَ التَّشْرِيعِ لِإِبْطَالِ التَّبَنِّي وَتَفْصِيلٌ لِمَا يَحِقُّ أَنْ يُجْرِيَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي شَأْنِهِ. وَهَذَا الْأَمْرُ إِيجَابٌ أُبْطِلَ بِهِ ادِّعَاءُ الْمُتَبَنِّي مُتَبَنَّاهُ ابْنًا لَهُ. وَالْمُرَادُ بِالدُّعَاءِ النَّسَبُ. وَالْمُرَادُ مِنْ دَعَوْتِهِمْ بِآبَائِهِمْ تُرَتُّبُ آثَارِ ذَلِكَ، وَهِيَ أَنَّهُمْ أَبْنَاءُ آبَائِهِمْ لَا أَبْنَاءُ مَنْ تَبَنَّاهُمْ.
وَاللَّامُ فِي لِآبائِهِمْ لَامُ الِانْتِسَابِ، وَأَصْلُهَا لَامُ الِاسْتِحْقَاقِ. يُقَالُ: فُلَانٌ لِفُلَانٍ، أَيْ: هُوَ ابْنُهُ، أَيْ: يَنْتَسِبُ لَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ لِرِشْدَةٍ وَفُلَانٌ لِغَيَّةٍ، أَيْ: نَسَبَهُ لَهَا،
أَيْ: مِنْ نِكَاحٍ أَو من زنا، وَقَالَ النَّابِغَةُ:
لَئِنْ كَانَ لِلْقَبْرَيْنِ قَبْرٌ بِجِلِّقٍ ... وَقَبْرٌ بِصَيْدَاءَ الَّذِي عِنْدَ حَارِبِ
أَيْ: مِنْ أَبْنَاءِ صَاحِبَيِ الْقَبْرَيْنِ. وَقَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبْدٍ يَمْدَحُ الْمَلِكَ الْحَارِثَ:
فَلَسْتَ لِإِنْسِيٍّ وَلَكِنْ لِمَلْأَكٍ ... تَنَزَّلَ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ يُصَوِّبُ
وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَامِلًا أُمَامَةَ ابْنَةَ بِنْتِهِ زَيْنَبَ وَلِأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ»
فَكَانَتِ اللَّامُ مُغْنِيَةً عَنْ أَنْ يَقُولَ وَابْنَةَ أَبِي الْعَاصِ.
وَضَمِيرُ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ عَائِدٌ إِلَى الْمَصْدَرِ الْمَفْهُومِ مِنْ فِعْلِ ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ أَيِ: الدُّعَاءَ لِلْآبَاءِ. وَجُمْلَةُ هُوَ أَقْسَطُ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ كَأَنَّ سَائِلًا قَالَ: لماذَا لَا نَدْعُوهُمْ