للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجُمْلَةُ: أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ تَعْلِيلٌ لِكَوْنِهِمْ أَضَلَّ مِنَ الْأَنْعَامِ وَهُوَ بُلُوغُهُمْ حَدَّ النِّهَايَةِ فِي الْغَفْلَةِ، وَبُلُوغُهُمْ هَذَا الْحَدَّ أُفِيدَ بِصِيغَة الْقصر الادعائي إِذِ ادُّعِيَ انْحِصَارُ صِفَةِ الْغَفْلَةِ فِيهِمْ بِحَيْثُ لَا يُوجَدُ غَافِلٌ غَيْرَهُمْ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِغَفْلَةِ غَيْرِهِمْ كُلُّ غَفْلَةٍ فِي جَانِبِ غَفْلَتِهِمْ كَلَا غَفْلَةٍ، لِأَنَّ غَفْلَةَ هَؤُلَاءِ تَعَلَّقَتْ بِأَجْدَرِ الْأَشْيَاءِ بِأَنْ لَا يُغْفَلَ عَنْهُ، وَهُوَ مَا تَقْضِي الْغَفْلَةُ عَنْهُ بِالْغَافِلِ إِلَى الشَّقَاءِ الْأَبَدِيِّ، فَهِيَ غَفْلَةٌ لَا تَدَارُكَ مِنْهَا، وَعَثْرَةٌ لَا لَعًى لَهَا.

وَالْغَفْلَةُ عَدَمُ الشُّعُورِ بِمَا يَحِقُّ الشُّعُورُ بِهِ، وَأُطْلِقَ عَلَى ضَلَالِهِمْ لَفْظُ الْغَفْلَةِ بِنَاءً عَلَى تَشْبِيهِ الْإِيمَانِ بِأَنَّهُ أَمْرٌ بَيِّنٌ وَاضِحٌ يُعَدُّ عَدَمُ الشُّعُورِ بِهِ غَفْلَةً، فَفِي قَوْلِهِ: هُمُ الْغافِلُونَ اسْتِعَارَةٌ مَكْنِيَّةٌ ضِمْنِيَّةٌ، وَالْغَفْلَةُ مِنْ رَوَادِفِ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَفِي وَصْفِ الْغافِلُونَ اسْتِعَارَةٌ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّهُمْ جَاهِلُونَ أَوْ مُنْكِرُونَ.

وَقَدْ وَقَعَ التَّدَرُّجُ فِي وَصْفِهِمْ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ مِنْ نَفْيِ انْتِفَاعِهِمْ، بِمَدَارِكِهِمْ ثُمَّ تَشْبِيهِهِمْ بِالْأَنْعَامِ، ثُمَّ التَّرَقِّي إِلَى أَنَّهُمْ أَضَلُّ مِنَ الْأَنْعَامِ، ثُمَّ قَصْرِ الْغَفْلَة عَلَيْهِم.

[١٨٠]

[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : آيَة ١٨٠]

وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٨٠)

هَذَا خِطَابٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَتَوَسَّطَهُ فِي خِلَالَ مَذَامِّ الْمُشْرِكِينَ لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ أَفْظَعَ أَحْوَالِ الْمَعْدُودِينَ لِجَهَنَّمَ هُوَ حَالُ إِشْرَاكِهِمْ بِاللَّهِ غَيْرَهُ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إِبْطَالًا لِأَخَصِّ الصِّفَاتِ بِمَعْنَى الْإِلَهِيَّةِ: وَهِيَ صِفَةُ الْوَحْدَانِيَّةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ الصِّفَاتِ نَحْوَ الْفَرْدِ، الصَّمَدِ. وَيَنْضَوِي تَحْتَ الشِّرْكِ تَعْطِيلُ صِفَاتٍ كَثِيرَةٍ مِثْلَ: الْبَاعِثِ، الْحَسِيبِ، وَالْمُعِيدِ، وَنَشَأَ عَنْ عِنَادِ أَهْلِ الشِّرْكِ إِنْكَار صفة الرَّحْمَن.

فَعَقَّبَتِ الْآيَاتُ الَّتِي وَصَفَتْ ضَلَالَ إِشْرَاكِهِمْ بِتَنْبِيهِ الْمُسْلِمِينَ لِلْإِقْبَالِ عَلَى دُعَاءِ اللَّهِ

بِأَسْمَائِهِ الدَّالَّةِ عَلَى عَظِيمِ صِفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ، وَالدَّوَامِ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنْ يُعْرِضُوا عَنْ شَغَبِ الْمُشْرِكِينَ وَجِدَالِهِمْ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَدْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَتَوَرَّكُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ على النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ، أَنْ أَنْكَرُوا اسْمه تَعَالَى الرَّحْمَن، وَهُوَ إِنْكَارٌ لَمْ يُقْدِمْهُمْ عَلَيْهِ جَهْلُهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْصُوفٌ بِمَا