لِأَنَّ الْعَلِيمَ بِذَاتِ الصُّدُورِ لَا يُغَادِرُ شَيْئًا إِلَّا عَلِمَهُ فَإِذَا أَنْبَأَ بِأَعْمَالِهِمْ كَانَ إِنْبَاؤُهُ كَامِلًا.
وَذَاتِ: صَاحِبَةِ، مُؤَنَّثُ (ذُو) بِمَعْنَى صَاحِبٍ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ الْأَعْمَالُ، أَيْ بِالْأَعْمَالِ صَاحِبَةِ الصُّدُورِ، أَيْ الْمُسْتَقِرَّةِ فِي النَّوَايَا فَعَبَّرَ بِ الصُّدُورِ عَمَّا يَحِلُّ بِهَا، وَالصُّدُورُ مُرَادٌ بِهَا الْقُلُوبُ الْمُعَبَّرُ بِهَا عَمَّا بِهِ الْإِدْرَاكُ وَالْعَزْمُ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ فِي سُورَةِ [الْأَنْفَالِ: ٤٣] .
[٨]
[سُورَة الزمر (٣٩) : آيَة ٨]
وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (٨)
وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ.
هَذَا مِثَالٌ لِتَقَلُّبِ الْمُشْرِكِينَ بَيْنَ إِشْرَاكِهِمْ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ فِي الْعِبَادَةِ، وَبَيْنَ إِظْهَارِ احْتِيَاجِهِمْ إِلَيْهِ، فَذَلِكَ عُنْوَانٌ عَلَى مَبْلَغِ كُفْرِهِمْ وَأَقْصَاهُ. وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةُ عَلَى جُمْلَةِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ [الزمر: ٦] الْآيَةَ لِاشْتِرَاكِ الْجُمْلَتَيْنِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ مُنْفَرِدٌ بِالتَّصَرُّفِ مُسْتَوْجِبٌ لِلشُّكْرِ، وَعَلَى أَنَّ الْكُفْرَ بِهِ قَبِيحٌ، وَتَتَضَمَّنَ الِاسْتِدْلَالُ على وحدانية إلهية بِدَلِيلٍ مِنْ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ فَإِنَّهُمْ إِذَا مَسَّهُمُ الضُّرُّ لَجَأْوًا إِلَيْهِ وَحْدَهُ، وَإِذَا أَصَابَتْهُمْ نِعْمَةٌ أَعْرَضُوا عَنْ شُكْرِهِ وَجَعَلُوا لَهُ شُرَكَاءَ.
فَالتَّعْرِيفُ فِي الْإِنْسانَ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ وَلَكِنَّ عُمُومَهُ هُنَا عُمُومٌ عُرْفِيٌّ لِفَرِيقٍ مِنَ الْإِنْسَانِ وَهُمْ أَهلُ الشِّرْكِ خَاصَّةً لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لَا يَتَّفِقُ مَعَ حَالِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ: إِنْسَانٌ مُعَيَّنٌ وَأَنَّهُ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، أَوْ أَبُو جَهْلٍ، خُرُوجٌ عَنْ مَهْيَعِ الْكَلَامِ، وَإِنَّمَا هَذَانِ وَأَمْثَالُهُمَا مِنْ جُمْلَةِ هَذَا الْجِنْسِ. وَذِكْرُ الْإِنْسَانِ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الْمُخَاطَبُونَ بِقَوْلِهِ: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ إِلَى قَوْلِهِ:
فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الزمر: ٦، ٧] ، فَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ دَعَوْتُمْ رَبَّكُمْ إِلَخْ، فَعَدَلَ إِلَى الْإِظْهَارِ لِمَا فِي مَعْنَى الْإِنْسَانِ مِنْ مُرَاعَاةِ مَا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute