الدُّنْيَا فَيَلْحَقَ مِنْهُ الْقَاطِنِينَ مَعَهُمْ بِمَكَّةَ فَأَنْبَأَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّ كُفْرَ أُولَئِكَ لَا يُنْقِصُ إِيمَانَ هَؤُلَاءِ وَأَرَادَ اطْمِئْنَانَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ.
وَأَصِلُ الْوِزْرِ، بِكَسْرِ الْوَاوِ: الثِّقَلُ، وَأُطْلِقَ عَلَى الْإِثْمِ لِأَنَّهُ يَلْحَقُ صَاحِبَهُ تَعَبٌ كَتَعَبِ حَامِلِ الثِّقْلِ. وَيُقَالُ: وَزِرَ بِمَعْنَى حَمَلَ الْوِزْرَ، بِمَعْنَى كَسْبَ الْإِثْمَ. وَتَأْنِيثُ وازِرَةٌ وأُخْرى بِاعْتِبَارِ إِرَادَةِ مَعْنَى النَّفْسِ فِي قَوْلِهِ: وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً [الْبَقَرَة: ٤٨] .
وَالْمَعْنَى: لَا تَحْمِلُ نَفْسٌ وِزْرَ نَفْسٍ أُخْرَى، أَيْ لَا تُغْنِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا مِنْ إِثْمِهَا، فَلَا تَطْمَعُ نَفْسٌ بِإِعَانَةِ ذَوِيِهَا وَأَقْرِبَائِهَا، وَكَذَلِكَ لَا تَخْشَى نَفْسٌ صَالِحَةٌ أَنْ تُؤَاخَذَ بِتَبِعَةِ نَفْسٍ أُخْرَى مِنْ ذَوِيِهَا أَوْ قَرَابَتِهَا. وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِالْمُتَارَكَةِ وَقَطْعِ اللِّجَاجِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَأَنَّ قُصَارَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُرْشِدُوا الضُّلَّالَ لَا أَنْ يُلْجِئُوهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ.
ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.
ثُمَّ لِلْتَرْتِيبَيْنَ الرُّتْبِيِّ وَالتَّرَاخِي، أَيْ وَأَعْظَمُ مِنْ كَوْنِ اللَّهِ غَنِيًّا عَنْكُمْ أَنَّهُ أَعَدَّ لَكُمُ الْجَزَاءَ عَلَى كُفْرِكُمْ وَسَتَرْجِعُونَ إِلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي آخِرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ.
وَإِنَّمَا جَاءَ فِي آيَةِ [الْأَنْعَامِ: ١٦٤] : بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ إِثْرَ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ تَضَمَّنَتِ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ أَحْوَالِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَحْوَالِ الْمُشْركين وَلم يَجِيء مِثْلُ ذَلِكَ هُنَا، فَلِذَلِكَ قِيلَ هُنَا: بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، أَيْ مِنْ كُفْرِ مَنْ كَفَرَ وَشُكْرِ مَنْ شَكَرَ.
وَالْأَنْبَاءُ: مُسْتَعْمَلٌ مَجَازًا فِي الْإِظْهَارِ الْحَاصِلِ بِهِ الْعِلْمُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَةِ الْإِخْبَارِ بِأَنْ يُعْلِنَ لَهُمْ بِوَاسِطَةِ الْمَلَائِكَةِ أَعْمَالَهُمْ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُظْهِرُ لَكُمُ الْحَقَّ لَا مِرْيَةَ فِيهِ أَوْ يُخْبِرَكُمْ بِهِ مُبَاشَرَةً، وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ الْأَنْعَامِ، وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ.
وَجُمْلَةُ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ تَعْلِيل لجملة فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute