للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الشُّعَرَاء (٢٦) : الْآيَات ٢٠٤ إِلَى ٢٠٧]

أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جاءَهُمْ مَا كانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) مَا أَغْنى عَنْهُمْ مَا كانُوا يُمَتَّعُونَ (٢٠٧)

نَشَأَ عَنْ قَوْلِهِ: فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [الشُّعَرَاء: ٢٠٢] تَقْدِيرُ جَوَابٍ عَنْ تَكَرُّرِ سُؤَالِهِمْ: مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [يُونُس: ٤٨] ، حَيْثُ جَعَلُوا تَأَخُّرَ حُصُولِ الْعَذَابِ دَلِيلًا عَلَى انْتِفَاءِ وُقُوعِهِ، فَأَعْقَبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ. فَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ تُفِيدُ تَعْقِيبَ الِاسْتِفْهَامِ عَقِبَ تَكَرُّرِ قَوْلِهِمْ مَتى هذَا الْوَعْدُ [يُونُس: ٤٨] وَنَحْوِهِ. وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيبِ مِنْ غُرُورِهِمْ. وَالْمَعْنَى: أَيَسْتَعْجِلُونَ بِعَذَابِنَا فَمَا تَأْخِيرُهُ إِلَّا تَمْتِيعٌ لَهُمْ. وَكَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ فَيَقُولُونَ: مَتى هذَا الْوَعْدُ، وَيَسْتَعْجِلُونَ بِالْعَذَابِ وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ [ص: ١٦] . قَالَ مُقَاتِلٌ:

قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُحَمَّدُ إِلَى مَتَى تَعِدُنَا بِالْعَذَابِ وَلَا تَأْتِي بِهِ، فَنَزَلَتْ أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ.

وَتَقْدِيمُ «بِعَذَابِنَا» لِلرِّعَايَةِ عَلَى الْفَاصِلَةِ وَلِلِاهْتِمَامِ بِهِ فِي مَقَامِ الْإِنْذَارِ، أَيْ لَيْسَ شَأْنُ مِثْلِهِ أَنْ يُسْتَعْجَلَ لِفَظَاعَتِهِ.

وَلَمَّا كَانَ اسْتِعْجَالُهُمْ بِالْعَذَابِ مُقْتَضِيًا أَنَّهُمْ فِي مُهْلَةٍ مِنْهُ وَمُتْعَةٍ بِالسَّلَامَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ يَغُرُّهُمْ بِأَنَّهُمْ فِي مَنْجَاةٍ مِنَ الْوَعِيدِ الَّذِي جَاءَهُمْ عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَابَهَهُمْ بِجُمْلَةِ:

أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ.

وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ لِلتَّقْرِيرِ. وَمَا فِي قَوْلِهِ: مَا أَغْنى عَنْهُمْ اسْتِفْهَامِيَّةٌ وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِنْكَارِ، أَيْ لَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ شَيْئًا. وَالرُّؤْيَةُ فِي أَفَرَأَيْتَ قَلْبِيَّةٌ، أَيْ أَفَعَلِمْتَ. وَالْخِطَابُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ يَعُمُّ كُلَّ مُخَاطَبٍ حَتَّى الْمُجْرِمِينَ.

وَجُمْلَةُ: إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ مُعْتَرِضَةٌ وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا سَدَّ مَسَدَّ

مَفْعُولَيْ (رَأَيْتَ) . وثُمَّ جاءَهُمْ مَعْطُوفٌ عَلَى جُمْلَةِ الشُّرَطِ الْمُعْتَرِضَةِ، وثُمَّ فِيهِ لِلتَّرْتِيبِ وَالْمُهْلَةِ، أَيْ جَاءَهُمْ بَعْدَ سِنِينَ. وَفِيهِ رَمْزٌ إِلَى أَنَّ