للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : الْآيَات ٩٤ إِلَى ٩٥]

وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤) ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٩٥)

عَطَفَتِ الْوَاوُ جُمْلَةَ مَا أَرْسَلْنا عَلَى جُمْلَةِ وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً [الْأَعْرَاف:

٨٥] ، عَطْفَ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ. لِأَنَّ مَا ذُكِرَ مِنَ الْقَصَصِ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ [الْأَعْرَاف: ٥٩] كُلُّهُ، الْقَصْدُ مِنْهُ الْعِبْرَةُ بِالْأُمَمِ الْخَالِيَةِ موعظة لِكُفَّارِ الْعَرَبِ فَلَمَّا تَلَا عَلَيْهِمْ قَصَصَ خَمْسِ أُمَمٍ جَاءَ الْآنَ بِحُكْمٍ كُلِّيٍّ يَعُمُّ سَائِرَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ عَلَى طَرِيقَةِ قِيَاسِ التَّمْثِيلِ، أَوْ قِيَاسِ الِاسْتِقْرَاءِ النَّاقِصِ، وَهُوَ أَشْهَرُ قِيَاسٍ يُسْلَكُ فِي الْمَقَامَاتِ الْخِطَابِيَّةِ، وَهَذِهِ الْجُمَلُ إِلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى [يُونُس: ٧٥] كَالْمُعْتَرِضَةِ بَيْنَ الْقَصَصِ، لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مَوْقِعِ الْمَوْعِظَةِ، وَذَلِكَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ تِلْكَ الْقَصَصِ، فَهُوَ اعْتِرَاضٌ بِبَيَانِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْكَلَامِ وَهَذَا كَثِيرُ الْوُقُوعِ فِي اعْتِرَاضِ الْكَلَامِ.

وَعُدِيَّ أَرْسَلْنا بِ (فِي) دُونَ (إِلَى) لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَرْيَةِ حَقِيقَتُهَا، وَهِيَ لَا يُرْسَلُ إِلَيْهَا وَإِنَّمَا يُرْسَلُ فِيهَا إِلَى أَهْلِهَا، فَالتَّقْدِيرُ: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيءٍ إِلَى أَهْلِهَا إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا [الْقَصَص:

٥٩] وَلَا يَجْرِي فِي هَذَا مِنَ الْمَعْنَى مَا يَجْرِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى الْآتِي قَرِيبا: وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ [الْأَعْرَاف: ١١١] إِذْ لَا دَاعِيَ إِلَيْهِ هُنَا.

ومِنْ مَزِيدٌ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الْعُمُومِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ وُقُوعِ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، وَتَخْصِيصِ الْقُرَى بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ فِيهَا دُونَ الْبَوَادِي كَمَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ آيِ الْقُرْآنِ، وَشَهِدَ بِهِ تَارِيخ الْأَدْيَان، ينبىء أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ إِرْسَالِ الرُّسُلِ هُوَ بَثُّ الصَّلَاحِ لِأَصْحَابِ الْحَضَارَةِ الَّتِي يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الْخَلَلُ بِسَبَبِ اجْتِمَاعِ الْأَصْنَافِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَأَنَّ أَهْلَ الْبَوَادِي لَا يَخْلُونَ عَنِ الِانْحِيَازِ إِلَى الْقُرَى وَالْإِيوَاءِ فِي حَاجَاتِهِمُ الْمَدَنِيَّةِ إِلَى الْقُرَى الْقَرِيبَةِ، فَأَمَّا مَجِيءُ نَبِيءٍ غَيْرِ رَسُولٍ لِأَهْلِ