للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأَوَّلِ يَوْمَ حُنَيْنٍ، عَلَى أَنَّ التَّرَاخِيَ الزَّمَنِيَّ مُرَادٌ تَنْزِيلًا لِعِظَمِ الشِّدَّةِ وَهَوْلِ الْمُصِيبَةِ مَنْزِلَةَ طُولِ مُدَّتِهَا، فَإِنَّ أَزْمَانَ الشِّدَّةِ تُخَيَّلُ طَوِيلَةً وَإِنْ قَصُرَتْ.

وَالسَّكِينَةُ: الثَّبَاتُ وَاطْمِئْنَانُ النَّفْسِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٤٨] ، وَتَعْلِيقُهَا بِإِنْزَالِ اللَّهِ، وَإِضَافَتُهَا إِلَى ضَمِيرِهِ: تَنْوِيهٌ بِشَأْنِهَا وَبَرَكَتِهَا، وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا سَكِينَةٌ خَارِقَةٌ لِلْعَادَةِ لَيْسَتْ لَهَا أَسْبَابٌ وَمُقَدِّمَاتٌ ظَاهِرَةٌ، وَإِنَّمَا حَصَلَتْ بِمَحْضِ تَقْدِيرِ اللَّهِ وَتَكْوِينِهِ أنفًا كَرَامَة لنبيئه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِجَابَةً لِنِدَائِهِ النَّاسَ، وَلِذَلِكَ قُدِّمَ ذِكْرُ الرَّسُولِ قَبْلَ ذِكْرِ الْمُؤْمِنِينَ.

وَإِعَادَةُ حَرْفِ عَلى بَعْدَ حَرْفِ الْعَطْفِ: تَنْبِيهٌ عَلَى تَجْدِيدِ تَعْلِيقِ الْفِعْلِ بِالْمَجْرُورِ الثَّانِي لِلْإِيمَاءِ إِلَى التَّفَاوُتِ بَيْنَ السَّكِينَتَيْنِ: فَسَكِينَةُ الرَّسُولِ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- سَكِينَةُ اطْمِئْنَانٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ مَعَهُ وَثِقَةٍ بِالنَّصْرِ، وَسَكِينَةُ الْمُؤْمِنِينَ سَكِينَةُ ثَبَاتٍ وَشَجَاعَةٍ بَعْدَ الْجَزَعِ وَالْخَوْفِ.

وَالْجُنُودُ جَمْعُ جُنْدٍ. وَالْجُنْدُ اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَهُوَ الْجَمَاعَةُ الْمُهَيَّئَةُ

لِلْحَرْبِ، وَوَاحِدُهُ بِيَاءِ النَّسَبِ: جُنْدِيٌّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٤٩] . وَقَدْ يُطْلَقُ الْجُنْدُ عَلَى الْأُمَّةِ الْعَظِيمَةِ ذَاتِ الْقُوَّةِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ فِي سُورَةِ الْبُرُوجِ [١٧، ١٨] وَالْمُرَادُ بِالْجُنُودِ هُنَا جَمَاعَاتٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُوَكَّلُونَ بِهَزِيمَةِ الْمُشْرِكِينَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ فِعْلُ أَنْزَلَ، أَيْ أَرْسَلَهَا اللَّهُ لِنُصْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِلْقَاءِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ، وَلِذَلِكَ قَالَ:

لَمْ تَرَوْها وَلِكَوْنِ الْمَلَائِكَةِ مَلَائِكَةَ النَّصْرِ أَطْلَقَ عَلَيْهَا اسْمَ الْجُنُودِ.

وَتَعْذِيبُهُ الَّذِينَ كَفَرُوا: هُوَ تَعْذِيبُ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَالسَّبْيِ.

وَالْإِشَارَةُ بِ وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ إِلَى الْعَذَابِ الْمَأْخُوذِ من عَذَّبَ.

[٢٧]

[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ٢٧]

ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٧)

ثُمَّ لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ، عُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ إِلَى قَوْلِهِ وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ [التَّوْبَة: ٢٦] . وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى إِسْلَامِ هَوَازِنَ بَعْدَ تِلْكَ الْهَزِيمَةِ فَإِنَّهُمْ