هُوَ التَّكَبُّرُ وَالْمُكَابَرَةُ وَالتَّمَسُّكُ بِالضَّلَالِ، أَيْ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ مَانِعٌ يَمْنَعُهُمُ الْإِيمَانَ يُخَوِّلُهُمُ الْمَعْذِرَةَ بِهِ وَلَكِنَّهُمْ جَرَوْا عَلَى سُنَنِ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الضَّلَالِ. وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنِ انْتِفَاءِ إِيمَانِهِمْ إِلَى أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ أَحَدُ الْعَذَابَيْنِ.
وَفِي هَذِهِ الْكِنَايَةِ تَهْدِيدٌ وَإِنْذَارٌ وَتَحْذِيرٌ وَحَثٌّ عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِالِاسْتِغْفَارِ مِنَ الْكُفْرِ.
وَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَات رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ [يُونُس: ٩٦- ٩٧] .
وقُبُلًا حَالٌ مِنَ الْعَذَابِ. وَهُوَ- بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ- فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ
بِمَعْنَى الْمُقَابِلِ الظَّاهِرِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ، وَعَاصِمٌ، وَالْكِسَائِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَخَلَفٌ قُبُلًا- بِضَمَّتَيْنِ- وَهُوَ جَمْعُ قَبِيلٍ، أَيْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَاب أنواعا.
[٥٦]
[سُورَة الْكَهْف (١٨) : آيَة ٥٦]
وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (٥٦)
بَعْدَ أَنْ أَشَارَ إِلَى جِدَالِهِمْ فِي هُدَى الْقُرْآنِ بِمَا مَهَّدَ لَهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الْكَهْف: ٥٤] . وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ الْجِدَالَ فِيهِ مُجَرَّدُ مُكَابَرَةٍ وَعِنَادٍ، وَأَنَّهُ لَا يَحُفُّ بِالْقُرْآنِ مَا يَمْنَعُ مِنَ الْإِيمَانِ بِهِ كَمَا لَمْ يَحُفَّ بِالْهُدَى الَّذِي أَرْسَلَ إِلَى الْأُمَمِ مَا يَمْنَعُهُمُ الْإِيمَانَ بِهِ، أَعْقَبَ ذَلِكَ بِأَنَّ وَظِيفَةَ الرُّسُلِ التَّبْلِيغُ بِالْبِشَارَةِ وَالنِّذَارَةِ لَا التصدي للجادلة، لِأَنَّهَا مُجَادَلَةٌ لَمْ يُقْصَدْ مِنْهَا الِاسْتِرْشَادُ بَلِ الْغَايَةُ مِنْهَا إِبْطَالُ الْحَقِّ.
وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ أَحْوَالٍ عَامَّةٍ مَحْذُوفَةٍ، أَيْ مَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ فِي حَالٍ إِلَّا فِي حَالِ كَوْنِهِمْ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ. وَالْمُرَادُ بِالْمُرْسَلِينَ جَمِيعُ الرُّسُلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute