للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيُفِيدُ الْكَلَامُ بِحَذَافِرِهِ تَعَجُّبًا مِنِ انْتِصَابِ مُوسَى مَنْصِبَ الْمُرْشِدِ مَعَ مَا اقْتَرَفَهُ مِنَ النَّقَائِصِ فِي نَظَرِ فِرْعَوْنَ الْمُنَافِيَةِ لِدَعْوَى كَوْنِهِ رَسُولًا من الربّ.

[٢٠- ٢٢]

[سُورَة الشُّعَرَاء (٢٦) : الْآيَات ٢٠ إِلَى ٢٢]

قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (٢٢)

كَانَتْ رِبَاطَةُ جَأْشِ مُوسَى وَتَوَكُّلُهُ عَلَى رَبِّهِ بَاعِثَةً لَهُ عَلَى الِاعْتِرَافِ بِالْفَعْلَةِ وَذِكْرِ مَا نَشَأَ عَنْهَا مِنْ خَيْرٍ لَهُ، لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ حَمِدَ أَثَرَهَا وَإِنْ كَانَ قَدِ اقْتَرَفَهَا غَيْرَ مُقَدِّرٍ مَا جَرَّتْهُ إِلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ فَابْتَدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِفَعْلَتِهِ لِيَعْلَمَ فِرْعَوْنُ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ لِكَلَامِهِ مَدْخَلَ تَأْثِيرٍ فِي نَفْسِ مُوسَى. وَأَخَّرَ مُوسَى الْجَوَابَ عَنْ قَوْلِ فِرْعَوْنَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ [الشُّعَرَاء: ١٨] لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ الْإِقْصَارُ مِنْ مُوَاجَهَتِهِ بِأَنَّ رَبًّا أَعْلَى مِنْ فِرْعَوْنَ أَرْسَلَ مُوسَى إِلَيْهِ. وَابْتَدَأَ بِالْجَوَابِ عَنِ الْأَهَمِّ مِنْ كَلَامِ فِرْعَوْنَ وَهُوَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ [الشُّعَرَاء: ١٩] لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ أَدْخَلُ فِي قَصْدِ الْإِفْحَامِ، وَلِيُظْهِرَ لِفِرْعَوْنَ أَنَّهُ لَا يَوْجَلُ مِنْ أَنْ يُطَالِبُوهُ بِذَحْلِ ذَلِكَ الْقَتِيلِ ثِقَةً بِأَنَّ اللَّهَ يُنْجِيهِ مِنْ عُدْوَانِهِمْ.

وَكَلِمَةُ إِذاً هُنَا حَرْفُ جَوَابٍ وَجَزَاءٍ، فَنُونُهُ السَّاكِنَةُ لَيْسَتْ تَنْوِينًا بَلْ حَرْفًا أَصْلِيًّا لِلْكَلِمَةِ، وَقَدَّمَ فَعَلْتُها عَلَى (إِذَنْ) مُبَادَرَةً بِالْإِقْرَارِ لِيَكُونَ كِنَايَةً عَنْ عَدَمِ خَشْيَتِهِ مِنْ هَذَا الْإِقْرَارِ. وَمَعْنَى الْمُجَازَاةِ هُنَا مَا بَيَّنَهُ فِي «الْكَشَّافِ» : أَنَّ قَوْلَ فِرْعَوْنَ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ [الشُّعَرَاء: ١٩] يَتَضَمَّنُ مَعْنَى جَازَيْتَ نِعْمَتَنَا بِمَا فَعَلْتَ فَقَالَ لَهُ مُوسَى: نَعَمْ فَعَلْتُهَا مُجَازِيًا لَكَ، تَسْلِيمًا لِقَوْلِهِ، لِأَنَّ نِعْمَتَهُ كَانَتْ جَدِيرَةً بِأَنْ تُجَازَى بِمِثْلِ ذَلِكَ الْجَزَاءِ. وَهَذَا أَظْهَرُ مَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ. وَقَالَ الْقَزْوِينِيُّ فِي «حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ» قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ:

إِذاً ظَرْفٌ مَقْطُوعٌ عَنِ الْإِضَافَةِ مُؤْثَرًا فِيهِ الْفَتْحُ عَلَى الْكَسْرِ لِخِفَّتِهِ وَكَثْرَةِ الدَّوَرَانِ، وَلَعَلَّهُ يَعْنِي بِبَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ رَضِيَّ الدِّينِ الْإِسْتِرَابَادِيَّ فِي «شَرْحِ الْكَافِيَةِ الْحَاجِبِيَّةِ» فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ الظُّرُوفِ: وَالْحَقُّ أَنَّ (إِذْ) إِذَا حُذِفَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مِنْهُ وَأُبَدِلَ مِنْهُ التَّنْوِينُ فِي غَيْرِ نَحْوِ يَوْمِئِذٍ، جَازَ فَتْحُهُ أَيْضًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ أَيْ فَعَلْتُهَا إِذْ

رَبَّيْتَنِي،