للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْفَعْلَةُ: الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الْفِعْلِ، وَأَرَادَ بِهَا الْحَاصِلَ بِالْمَصْدَرِ كَمَا اقْتَضَتْهُ إِضَافَتُهَا إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ، وَأَرَادَ بِالْفَعْلَةِ قَتْلَهُ الْقِبْطِيَّ، قِيلَ هُوَ خَبَّازُ فِرْعَوْنَ. وَعُبِّرَ عَنْهَا بِالْمَوْصُولِ لِعِلْمِ مُوسَى بِهَا، وَفِي ذَلِكَ تَهْوِيلٌ لِلْفَعْلَةِ يُكَنَّى بِهِ عَنْ تَذْكِيرِهِ بِمَا يُوجِبُ تَوْبِيخَهُ.

وَفِي الْعُدُولِ عَنْ ذِكْرِ فَعْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ إِلَى ذِكْرِهَا مُبْهَمَةً مُضَافَةً إِلَى ضَمِيرِهِ ثُمَّ وَصْفِهَا بِمَا لَا يَزِيدُ عَلَى مَعْنَى الْمَوْصُوفِ تَهْوِيلٌ مُرَادٌ بِهِ التَّفْظِيعُ وَأَنَّهَا مُشْتَهِرَةٌ مَعْلُومَةٌ مَعَ تَحْقِيقِ إِلْصَاقِ تَبِعَتِهَا بِهِ حَتَّى لَا يَجِدَ تَنَصُّلًا مِنْهَا.

وَجُمْلَةُ: وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ فَعَلْتَ. وَالْمُرَادُ بِهِ كُفْرُ نِعْمَةِ فِرْعَوْنَ مِنْ حَيْثُ اعْتَدَى عَلَى أَحَدِ خَاصَّتِهِ وَمَوَالِي آلِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ انْتِصَارًا لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ يَعُدُّونَهُمْ عَبِيدَ فِرْعَوْنَ وَعَبِيدَ قَوْمِهِ، فَجَعَلَ فِرْعَوْنُ انْتِصَارَ مُوسَى لِرَجُلٍ مِنْ عَشِيرَتِهِ كُفْرَانًا لِنِعْمَةِ فِرْعَوْنَ لِأَنَّهُ يَرَى وَاجِبَ مُوسَى أَنْ يَعُدَّ نَفْسَهُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ فَلَا ينتصر لإسرائيلي، وَفِي هَذَا إِعْمَالُ أَحْكَامِ التَّبَنِّي وَإِهْمَالُ أَحْكَامِ النَّسَبِ وَهُوَ قَلْبُ حَقَائِقَ وَفَسَادُ وَضْعٍ. قَالَ تَعَالَى: وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ [الْأَحْزَاب: ٤] . وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْكُفْرَ بِدِيَانَةِ فِرْعَوْنَ لِأَنَّ مُوسَى لَمْ يَكُنْ يَوْمَ قَتَلَ الْقِبْطِيَّ مُتَظَاهِرًا بِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ دِينِهِمْ وَإِنْ كَانَ فِي بَاطِنِهِ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ مِنَ الْكُفْرِ قَبْلَ النُّبُوءَةِ وَبَعْدَهَا.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ: وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ عَطْفًا عَلَى الْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا الَّتِي هِيَ تَوْبِيخٌ وَلَوْمٌ، فَوَبَّخَهُ عَلَى تَقَدُّمِ رَعْيِهِ تَرْبِيَتَهُمْ إِيَّاهُ فِيمَا مَضَى، ثُمَّ وَبَّخَهُ عَلَى كَوْنِهِ كَافِرًا بِدِينِهِمْ فِي الْحَالِ، لِأَن قَوْلَهُ: مِنَ الْكافِرِينَ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ إِذْ هُوَ اسْمُ فَاعِلٍ وَاسْمُ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَأَنْتَ حِينَئِذٍ مِنَ الْكَافِرِينَ بِدِينِنَا، اسْتِنَادًا مِنْهُ إِلَى مَا بَدَا مِنْ قَرَائِنَ دَلَّتْهُ عَلَى اسْتِخْفَافِ مُوسَى بِدِينِهِمْ فِيمَا مَضَى لِأَنَّ دِينَهُمْ يَقْتَضِي الْإِخْلَاصَ لِفِرْعَوْنَ وَإِهَانَةَ مَنْ يُهِينُهُمْ فِرْعَوْنُ. وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي عَزْمِ فِرْعَوْنَ عَلَى أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ مُوسَى لِلْقِبْطِيِّ لِأَنَّ الِاعْتِدَاءَ عَلَيْهِ كَانَ مَصْحُوبًا بِاسْتِخْفَافٍ بِفِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ.