[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : آيَة ١٦]
وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (١٦)
هَذَا تَفْصِيلٌ لِلْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ قُصِدَ بِهِ تَهْدِيدُ قَادَةِ الْمُشْرِكِينَ وَتَحْمِيلُهُمْ تَبِعَةَ ضَلَالِ الَّذِينَ أَضَلُّوهُمْ. وَهُوَ تَفْرِيعٌ لِتَبْيِينِ أَسْبَابِ حُلُولِ التَّعْذِيبِ بَعْدَ بَعْثَةِ الرَّسُولِ أُدْمِجَ فِيهِ تَهْدِيدُ الْمُضِلِّينَ. فَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُعْطَفَ بِالْفَاءِ عَلَى قَوْلِهِ: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الْإِسْرَاء: ١٥] وَلَكِنَّهُ عَطْفٌ بِالْوَاوِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ مَقْصُودٌ لِذَاتِهِ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَضَمَّنُهُ مِنَ التَّحْذِيرِ مِنَ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ الْحَالَةِ الْمَوْصُوفَةِ، وَيَظْهَرُ مَعْنَى التَّفْرِيعِ مِنْ طَبِيعَةِ الْكَلَامِ، فَالْعَطْفُ بِالْوَاوِ هُنَا تَخْرِيجٌ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ فِي الْفَصْلِ وَالْوَصْلِ.
فَهَذِهِ الْآيَةُ تَهْدِيدٌ لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَتَعْلِيمٌ لِلْمُسْلِمِينَ.
وَالْمَعْنَى أَنَّ بَعْثَةَ الرَّسُولِ تَتَضَمَّنُ أَمْرًا بِشَرْعٍ وَأَنَّ سَبَبَ إِهْلَاكِ الْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ يُبْعَثَ إِلَيْهِمُ الرَّسُولُ هُوَ عَدَمُ امْتِثَالِهِمْ لِمَا يَأْمُرُهُمُ اللَّهُ بِهِ عَلَى لِسَانِ ذَلِكَ الرَّسُولِ.
وَمَعْنَى إِرَادَةِ اللَّهِ إِهْلَاكَ قَرْيَةٍ التَّعَلُّقُ التَّنْجِيزِيُّ لِإِرَادَتِهِ. وَتِلْكَ الْإِرَادَةُ تَتَوَجَّهُ إِلَى الْمُرَادِ
عِنْدَ حُصُولِ أَسْبَابِهِ وَهِيَ الْمُشَارُ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ: أَمَرْنا مُتْرَفِيها
إِلَى آخِرِهِ.
وَمُتَعَلِّقُ أَمَرْنا
مَحْذُوفٌ، أَيْ أَمَرْنَاهُمْ بِمَا نَأْمُرُهُمْ بِهِ، أَيْ بَعَثْنَا إِلَيْهِمُ الرَّسُولَ وَأَمَرْنَاهُمْ بِمَا نَأْمُرُهُمْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِمْ فَعَصَوُا الرَّسُولَ وَفَسَقُوا فِي قَرْيَتِهِمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ تَصْدِيرَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِ (إِذَا) أَوْجَبَ اسْتِغْلَاقَ الْمَعْنَى فِي الرَّبْطِ بَيْنَ جُمْلَةِ شَرْطِ (إِذَا) وَجُمْلَةِ جَوَابِهِ، لِأَنَّ شَأْنَ (إِذَا) أَنْ تَكُونَ ظَرْفًا لِلْمُسْتَقْبَلِ وَتَتَضَمَّنُ مَعْنَى الشَّرْطِ أَيِ الرَّبْطِ بَيْنَ جُمْلَتَيْهَا. فَاقْتَضَى ظَاهِرُ مَوْقِعِ (إِذَا)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute