للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادِفًا لِلِذُّكْرِ بِضَمِّ الذَّالِ وَهُوَ التَّذَكُّرُ الْفِكْرِيُّ وَمُرَاعَاةُ وَصَايَا الدِّينِ. والدَّارِ:

الدَّارُ الْآخِرَةُ.

وَعُطِفَ عَلَيْهِ: إِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَبْعَثُ عَلَى ذِكْرِهِمْ بِأَنَّهُمُ اصْطَفَاهُمُ اللَّهُ مِنْ بَيْنِ خَلْقِهِ فَقَرَّبَهُمْ إِلَيْهِ وَجَعَلَهُمْ أَخْيَارًا.

والْأَخْيارِ: جَمْعُ خَيِّرٍ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، أَوْ جَمْعُ خَيْرٍ بِتَخْفِيفِهَا مِثْلُ الْأَمْوَاتِ جَمْعًا لِمَيِّتٍ وَمَيْتٍ، وَكِلْتَا الصِّيغَتَيْنِ تَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ الْوَصْفِ فِي الْمَوْصُوف.

[٤٨]

[سُورَة ص (٣٨) : آيَة ٤٨]

وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ (٤٨)

فُصِلَ ذِكْرُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَدِّهِ مَعَ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ وَأَخِيهِ إِسْحَاقَ لِأَنَّ إِسْمَاعِيلَ كَانَ جِدُّ الْأُمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ، أَيْ مُعْظَمِهَا فَإِنَّهُ أَبُو الْعَدْنَانِيِّينَ. وَجَدٌّ لِلْأُمِّ لِمُعْظَمِ الْقَحْطَانِيِّينَ لِأَنَّ زَوْجَ إِسْمَاعِيلَ جُرْهُمِيَّةٌ فَلِذَلِكَ قُطِعَ عَنْ عَطْفِهِ عَلَى ذِكْرِ إِبْرَاهِيمَ وَعَادَ الْكَلَامُ إِلَيْهِ هُنَا.

وَأَمَّا قَرْنُهُ ذِكْرَهُ بِذِكْرِ الْيَسَعَ وَذِي الْكِفْلِ بِعَطْفِ اسْمَيْهِمَا عَلَى اسْمِهِ فَوَجْهُهُ دَقِيقٌ فِي الْبَلَاغَةِ وَلَيْسَ يَكْفِي فِي تَوْجِيهِهِ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ، لِأَنَّ التَّمَاثُلَ فِي الخيريّة والاصطفاء ثَابِتٌ لِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، فَلَا يَكُونُ ذِكْرُهُمَا بَعْدَ ذِكْرِ إِسْمَاعِيلَ أَوْلَى مِنْ ذِكْرِ غَيْرِهِمَا مِنْ ذَوِي الْخَيْرِيَّةِ الَّذِينَ شَمِلَهُمْ لَفْظُ الْأَخْيَارِ وَالِاصْطِفَاءِ، فَإِنَّ شَرْطَ قَبُولِ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ جَامِعٌ عَقْلِيٌّ أَوْ وَهْمِيٌّ أَوْ خَيَالِيٌّ كَمَا قَالَ فِي «الْمِفْتَاحِ» ، قَالَ وَمِنْ هُنَا عَابُوا أَبَا تَمَّامٍ فِي قَوْلِهِ:

لَا وَالَّذِي هُوَ عَالِمٌ أَنَّ النَّوَى ... صَبْرٌ وَأَنَّ أَبَا الْحُسَيْنِ كَرِيمُ (١)

حَيْثُ جَمَعَ بَيْنَ مرَارَة النَّوَى وكرم أَبِي الْحُسَيْنِ وَإِنْ كَانَا مقترنين فِي تعلق عِلْمِ اللَّهِ بِهِمَا وَذَلِكَ مُسَاوٍ لِاقْتِرَانِ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذِي الْكِفْلِ فِي أَنَّهُمْ مِنَ الْأَخْيَارِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.


(١) هُوَ أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بن الْهَيْثَم بن شَبابَة أحد قواد المتَوَكل أَو الواثق وَلأبي تَمام مدائح فِيهِ كَثِيرَة.