للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ (آمِنِينَ) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يَنْحِتُونَ وَهِيَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، أَيْ مُقَدِّرِينَ أَنْ يَكُونُوا آمِنِينَ عَقِبَ نَحْتِهَا وَسُكْنَاهَا. وَكَانَتْ لَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْحُصُونِ لَا يَنَالُهُمْ فِيهَا الْعَدُوُّ.

وَلَكِنَّهُمْ نَسُوا أَنَّهَا لَا تُأَمِّنُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فَلِذَلِكَ قَالَ: فَما أَغْنى عَنْهُمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ.

وَالْفَاءُ فِي فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ لِلتَّعْقِيبِ وَالسَّبَبِيَّةِ. ومُصْبِحِينَ حَالٌ، أَيْ دَاخِلِينَ فِي وَقْتِ الصَّبَاحِ.

وَمَا كانُوا يَكْسِبُونَ أَيْ يَصْنَعُونَ، أَيِ الْبُيُوتُ الَّتِي عُنُوا بِتَحْصِينِهَا وَتَحْسِينِهَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ فِعْلُ كانُوا. وَصِيغَةُ الْمُضَارِعِ فِي يَكْسِبُونَ لِدَلَالَتِهَا عَلَى التَّكَرُّرِ وَالتَّجَدُّدِ الْمُكَنَّى بِهِ عَنْ إِتْقَانِ الصَّنْعَةِ. وَبِذَلِكَ كَانَ مَوْقِعُ الْمَوْصُولِ وَالصِّلَةِ أَبْلَغَ مِنْ مَوْقِعِ لَفْظِ (بُيُوتِهِمْ) مَثَلًا، لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الَّذِي لَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ شَيْءٌ مُتَّخَذٌ لِلْإِغْنَاءِ وَمِنْ شَأْنه ذَلِك.

[٨٥، ٨٦]

[سُورَة الْحجر (١٥) : الْآيَات ٨٥ إِلَى ٨٦]

وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨٦)

مَوْقِعُ الْوَاوِ فِي صَدْرِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بَدِيعٌ. فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ صَالِحَةٌ لِأَنْ تَكُونَ تَذْيِيلًا لِقَصَصِ الْأُمَمِ الْمُعَذَّبَةِ بِبَيَانِ أَنَّ مَا أَصَابَهُمْ قَدِ اسْتَحَقُّوهُ فَهُوَ مِنْ عَدْلِ اللَّهِ بِالْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ بِمَا يُنَاسِبُهَا، وَلِأَنْ تَكُونَ تَصْدِيرًا لِلْجُمْلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَهِيَ جُمْلَةُ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ. وَالْمُرَادُ سَاعَةُ جَزَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ سَاعَةُ الْبَعْثِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ تَكُونُ الْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةً أَوْ حَالِيَّةً، وَعَلَى الثَّانِي عَاطِفَةً جُمْلَةً عَلَى جُمْلَةٍ وَخَبَرًا عَلَى خَبَرٍ.