أَيْ فِي الْمُوَالَاةِ لَهُمْ. وَمَعْنَى لَنَنْصُرَنَّكُمْ لَنُعِينَنَّكُمْ فِي الْقِتَالِ. وَالنَّصْرُ يُطْلَقُ عَلَى الْإِعَانَةِ عَلَى الْمُعَادِي. وَقَدْ أَعْلَمَ الله رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُمْ كَاذِبُونَ فِي ذَلِكَ بَعْدَ مَا أَعْلَمَهُ بِمَا أَقْسَمُوا عَلَيْهِ تَطْمِينًا لِخَاطِرِهِ لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ إِجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ وَقَبْلَ غَزْوِ قُرَيْظَةَ لِئَلَا يتوجس الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِيفَةً مِنْ بَأْسِ الْمُنَافِقِينَ، وَسَمَّى اللَّهُ الْخَبَرَ شَهَادَةً لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ يَقِينٍ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ الَّتِي لَا يَتَجَازَفُ الْمُخْبِرُ فِي شَأْنِهَا.
[١٢]
[سُورَة الْحَشْر (٥٩) : آيَة ١٢]
لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (١٢)
لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ.
بَيَانٌ لِجُمْلَةِ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [الْحَشْر: ١١] .
وَاللَّامُ مُوطِئَةٌ لِلْقَسَمِ وَهَذَا تَأْكِيدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لرَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوهُ شَيْئًا لِكَيْلَا يَعْبَأَ بِمَا بَلَغَهُ مِنْ مَقَالَتِهِمْ.
وَضَمِيرُ أُخْرِجُوا وقُوتِلُوا عَائِدَانِ إِلَى الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ [الْحَشْر:
١١] ، أَيِ الَّذِينَ لَمْ يَخْرُجُوا وَلَمَّا يُقَاتِلُوا وَهُمْ قُرَيْظَةُ وَخَيْبَرُ، أَمَّا بَنُو النَّضِيرِ فَقَدْ أُخْرِجُوا قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ فَهُمْ غَيْرُ مَعْنِيِّينَ بِهَذَا الْخَبَرِ الْمُسْتَقْبَلِ. وَالْمَعْنَى: لَئِنْ أُخْرِجَ بَقِيَّةُ الْيَهُودِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَنْصُرُونَهُمْ. وَقَدْ سَلَكَ فِي هَذَا الْبَيَانِ طَرِيقَ الْإِطْنَابِ. فَإِنَّ قَوْلَهُ: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [الْحَشْر: ١١] جَمَعَ مَا فِي هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ فَجَاءَ بَيَانُهُ بِطَرِيقَةِ الْإِطْنَابِ لِزِيَادَةِ تَقْرِيرِ كَذِبِهِمْ.
وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ.
ارْتِقَاءٌ فِي تَكْذِيبِهِمْ عَلَى مَا وَعَدُوا بِهِ إِخْوَانَهُمْ، وَالْوَاوُ وَاوُ الْحَالِ وَلَيْسَتْ وَاوَ الْعَطْفِ.
وَفِعْلُ نَصَرُوهُمْ إِرَادَةُ وُقُوعَ الْفِعْلِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ فَيَكُونُ إِطْلَاقُ الْفِعْلِ عَلَى إِرَادَتِهِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute