وَحَرْفُ (ثُمَّ) هَنَا مُفِيدٌ لِلتَّرَاخِي، وَذَلِكَ إِلْجَاءٌ إِلَى قَبُولِ التَّوْبَةِ، وَلَوْ بَعْدَ زَمَانٍ طَوِيلٍ مَمْلُوءٍ بِفِعْلِ السَّيِّئَاتِ.
وَقَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِها تَأْكِيدٌ لِمُفَادِ الْمُهْلَةِ الَّتِي أَفَادَهَا حَرْفُ (ثُمَّ) وَهَذَا تَعْرِيضٌ لِلْمُشْرِكِينَ بِأَنَّهُمْ إِنْ آمَنُوا يُغْفَرْ لَهُمْ وَلَوْ طَالَ أَمَدُ الشِّرْكِ عَلَيْهِمْ.
وَعُطِفَ الْإِيمَانُ عَلَى التَّوْبَةِ، مَعَ أَنَّ التَّوْبَةَ تَشْمَلُهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْإِيمَانَ تَوْبَةٌ مِنَ الْكُفْرِ، إِمَّا لِلِاهْتِمَامِ بِهِ، لِأَنَّهُ أَصْلُ الِاعْتِدَادِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ:
وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ إِلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [الْبَلَد: ١٢- ١٧] .
وَلِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ الْإِشْرَاكَ لِخُطُورَتِهِ لَا تُنْجِي مِنْهُ التَّوْبَةُ.
وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِالْإِيمَانِ إِيمَانٌ خَاصٌّ، وَهُوَ الْإِيمَانُ بِإِخْلَاصٍ، فَيَشْمَلُ عَمَلَ الْوَاجِبَاتِ.
وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ رَبَّكَ لمُحَمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَظْهَرِ، أَوْ لِمُوسَى عَلَى جَعْلِ قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مَقُولًا مِنَ اللَّهِ لِمُوسَى.
وَفِي تَعْرِيفِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ بِالْإِضَافَةِ تَوَسُّلٌ إِلَى تَشْرِيفِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ مَرْبُوبٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَفِي ذِكْرِ وَصْفِ الرُّبُوبِيَّةِ هُنَا تَمْهِيدٌ لِوَصْفِ الرَّحْمَةِ.
وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِإِنَّ وَلَامِ التَّوْكِيدِ وَصِيغَتَيِ الْمُبَالغَة فِي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ لِمَزِيدِ الِاهْتِمَامِ بِهِ تَرْغِيبٌ لِلْعُصَاةِ فِي التَّوْبَةِ، وَطَرْدًا لِلْقُنُوطِ مِنْ نُفُوسِهِمْ، وَإِنْ عَظُمَتْ ذُنُوبُهُمْ، فَلَا يَحْسَبُوا تَحْدِيدَ التَّوْبَةِ بِحَدٍّ إِذَا تَجَاوَزَتْهُ الذُّنُوبُ بِالْكَثْرَةِ أَوِ الْعِظَمِ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ تَوْبَةٌ.
وَضَمِيرُ: مِنْ بَعْدِها الثَّانِي مُبَالَغَةٌ فِي الِامْتِنَانِ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِمْ بَعْدَ التَّمَلِّي مِنَ السَّيِّئَاتِ.
وَحَذْفُ مُتَعَلِّقِ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ لِظُهُورِهِ مِنَ السِّيَاقِ، وَالتَّقْدِيرُ: لَغَفُورٌ رَحِيمٌ لَهُمْ. أَوْ لِكُلِّ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً وَتَابَ مِنْهَا.
[١٥٤]
[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : آيَة ١٥٤]
وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (١٥٤)
نَظْمُ هَذَا الْكَلَامِ مِثْلُ نَظْمِ قَوْلِهِ: وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ [الْأَعْرَاف: ١٤٩] وَقَوْلِهِ:
وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ [الْأَعْرَاف: ١٥٠] ، أَيْ: ثُمَّ سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْهُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ.