للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلِغَيْرِهِمْ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ وَاجِبُ الْحَاضِرِينَ وَالْغَائِبِينَ، وَأَنَّ مَقَامَهُ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّدِّيقِينَ بَلْ هُوَ وَاجِبُ كُلِّ مُؤْمِنٍ كَامِلِ الْإِيمَانِ لَا يَخْلِطُ إِيمَانَهُ بأخطاء الجاهليات.

[٦٨]

[سُورَة يُوسُف (١٢) : آيَة ٦٨]

وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٦٨)

جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ، وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ.

وَدَلَّتْ حَيْثُ عَلَى الْجِهَةِ، أَيْ لَمَّا دَخَلُوا مِنَ الْجِهَاتِ الَّتِي أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ بِالدُّخُولِ مِنْهَا. فَالْجُمْلَةُ الَّتِي تُضَافُ إِلَيْهَا حَيْثُ هِيَ الَّتِي تُبَيِّنُ الْمُرَادَ مِنَ الْجِهَةِ.

وَقَدْ أَغْنَتْ جُمْلَةُ وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ عَنْ جُمَلٍ كَثِيرَةٍ، وَهِيَ أَنَّهُمُ ارْتَحَلُوا وَدَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ، وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ سَلِمُوا مِمَّا كَانَ يَخَافُهُ عَلَيْهِمْ. وَمَا كَانَ دُخُولُهُمْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَوْ قَدَّرَ اللَّهُ أَنْ

يُحَاطَ بِهِمْ، فَالْكَلَامُ إِيجَازٌ. وَمَعْنَى مَا كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ أَنَّهُ مَا كَانَ يَرُدُّ عَنْهُمْ قَضَاءَ اللَّهِ لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ سَلَامَتَهُمْ.

وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا حاجَةً مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ الْحَاجَةَ الَّتِي فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَيْسَتْ بَعْضًا مِنَ الشَّيْءِ الْمَنْفِيِّ إِغْنَاؤُهُ عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ، فَالتَّقْدِيرُ: لَكِنَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- قَضَاهَا.

وَالْقَضَاءُ: الْإِنْفَاذُ، وَمَعْنَى قَضَاهَا أَنْفَذَهَا. يُقَالُ: قَضَى حَاجَةً لِنَفْسِهِ، إِذَا أَنْفَذَ مَا أَضْمَرَهُ فِي نَفْسِهِ، أَيْ نَصِيحَةً لِأَبْنَائِهِ أَدَّاهَا لَهُمْ وَلَمْ يَدَّخِرْهَا عَنْهُمْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا يَظُنُّهُ نَافِعًا لَهُمْ إِلَّا أَبْلَغَهُ إِلَيْهِمْ.