وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْجَنَّةِ بِصِفَاتِهَا بِحَيْثُ صَارَتْ كَالْمُشَاهَدَةِ، وَالْمَعْنَى: تِلْكَ هِيَ الَّتِي سَمِعْتُمْ أَنَّهَا عُقْبَى الدَّارِ لِلَّذِينِ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ إِلَى قَوْله: وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ- إِلَى قَوْلِهِ- فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [سُورَة الرَّعْد: ٢٤] هِيَ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ. وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ الصَّالِحُونَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَوَّلُ مَرَاتِبِ التَّقْوَى الْإِيمَانُ. وَجُمْلَةُ وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِلْمُنَاسَبَةِ بِالْمُضَادَّةِ. وَهِيَ كَالْبَيَانِ لِجُمْلَةِ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ.
[٣٦]
[سُورَة الرَّعْد (١٣) : آيَة ٣٦]
وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (٣٦)
وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ.
الْوَاوُ لِلِاسْتِئْنَافِ. وَهَذَا اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ انْتُقِلَ بِهِ إِلَى فَضْلٍ لِبَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي حُسْنِ تَلَقِّيهِمْ لِلْقُرْآنِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ ذِكْرِ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْلِهِ: كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ [سُورَة الرَّعْد: ٣٠] إِلَخَّ، وَلِذَلِكَ جَاءَتْ عَلَى أُسْلُوبِهَا فِي التَّعْقِيبِ بِجُمْلَةِ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ [سُورَة الرَّعْد: ٣٦] .
وَالْمُنَاسَبَةُ هِيَ أَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بِالْقُرْآنِ انْقَسَمُوا فِي التَّصْدِيقِ بِالْقُرْآنِ فِرَقًا فَفَرِيقٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَفَرِيقٌ كَفَرُوا بِهِ وَهُمْ مِصْدَاقُ قَوْلِهِ: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ [سُورَة الرَّعْد: ٣٠] ، كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ الْمَفْهُومِينَ مِنَ الْمَقَامِ كَمَا هُوَ مُصْطَلَحُ الْقُرْآنِ.
وَهَذَا فَرِيقٌ آخَرُ أَيْضًا أَهْلُ الْكِتَابِ وَهُوَ مُنْقَسِمٌ أَيْضًا فِي تَلَقِّي الْقُرْآنِ فِرْقَتَيْنِ: فَالْفَرِيقُ الْأَوَّلُ صَدَّقُوا بِالْقُرْآنِ وَفَرِحُوا بِهِ وَهُمُ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [٨٣] ، وَكُلُّهُمْ مِنَ النَّصَارَى مِثْلَ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِمَّنْ بَلَغَهُمُ الْقُرْآنُ أَيَّامَ مَقَامِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَهُمْ دَعْوَةُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الْيَهُودَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute