للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِأَنَّ التَّخْوِيفَ يَبْعَثُ النَّفْسَ عَلَى تَحَمُّلِ مُعَاكَسَةِ هَوَاهَا خِيفَةَ الْوُقُوعِ فِي سُوءِ الْعَاقِبَةِ، وَالْإِنْعَامَ يَبْعَثُ النَّفْسَ عَلَى الشُّكْرِ، فَكَانَ ذِكْرُ الصِّفَتَيْنِ تَوْزِيعًا لِمَا أَجْمَلَهُ ذِكْرُ أَيَّامِ اللَّهِ مِنْ أَيَّامِ بُؤْسٍ وَأَيَّام نعيم.

[٦]

[سُورَة إِبْرَاهِيم (١٤) : آيَة ٦]

وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا بِاعْتِبَارِ غَرَضِ الْجُمْلَتَيْنِ، وَهُوَ التَّنْظِيرُ بِسُنَنِ مَا جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ السَّابِقُونَ مِنْ إِرْشَادِ الْأُمَمِ وَتَذْكِيرِهَا، كَمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ لِذَلِكَ.

وَإِذْ ظَرْفٌ لِلْمَاضِي مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلٍ تَقْدِيرُهُ: اذْكُرْ، دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ الَّذِي هُوَ ذِكْرُ شَوَاهِدِ التَّارِيخِ بِأَحْوَالِ الرُّسُلِ- عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- مَعَ أُمَمِهِمْ. وَالْمَعْنَى: وَاذْكُرْ قَوْلَ مُوسَى لِقَوْمِهِ الْخَ.

وَهَذَا مِمَّا قَالَهُ مُوسَى لِقَوْمِهِ بَعْدَ أَنْ أَنْجَاهُمُ الله من استعباد الْقِبْطِ وَإِهَانَتِهِمْ، فَهُوَ من تَفَاصِيلُ مَا فُسِّرَ بِهِ إِرْسَالُ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَهُوَ مِنَ التَّذْكِيرِ بِأَيَّامِ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنْ يُذَكِّرَهُ قومه.

وإِذْ أَنْجاكُمْ ظَرْفٌ للنعمة بِمَعْنى الإنام، أَيِ الْإِنْعَامُ الْحَاصِلُ فِي وَقْتِ إِنْجَائِهِ إِيَّاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ نَظِيرِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٤٩] ، وَكَذَا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ يُقَتِّلُونَ. سِوَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةِ عُطِفَتْ فِيهَا جُمْلَةُ وَيُذَبِّحُونَ عَلَى جُمْلَةِ يَسُومُونَكُمْ وَفِي آيَةِ الْبَقَرَةِ وَالْأَعْرَافِ جُعِلَتْ جُمْلَةُ يُذَبِّحُونَ وَجُمْلَةُ يُقَتِّلُونَ بِدُونِ عَطْفٍ عَلَى أَنَّهَا بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ يَسُومُونَكُمْ