ضَرَبَ عَلَى صَدْرِي يَعْنِي اسْتِحْسَانًا) . وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا أَسْفَلَ سافلين لأَنهم ضلّلهم كبراؤهم وأئمتهم فَسَوَّلُوا لَهُمْ
عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ لينالوا قيادتهم.
[٦]
[سُورَة التِّين (٩٥) : آيَة ٦]
إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٦)
اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ مِنْ عُمُومِ الْإِنْسَانِ فَلَمَّا أَخْبَرَ عَنِ الْإِنْسَانِ بِأَنَّهُ رُدَّ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِهِ الَّذِينَ آمَنُوا بَقِيَ غَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَسْفَلِ سَافِلِينَ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بَعْدَ أَنْ رُدُّوا أَسْفَلَ سَافِلِينَ أَيَّامَ الْإِشْرَاكِ صَارُوا بِالْإِيمَانِ إِلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ الْإِنْسَانَ عَلَيْهَا فَرَاجَعُوا أَصْلَهُمْ إِلَى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ.
وَعُطِفَ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لِأَنَّ عَمَلَ الصَّالِحَاتِ مِنْ أَحْسَنِ التَّقْوِيمِ بَعْدَ مَجِيءِ الشَّرِيعَةِ لِأَنَّهَا تَزِيدُ الْفِطْرَةَ رُسُوخًا وَيَنْسَحِبُ الْإِيمَانُ عَلَى الْأَخْلَاقِ فَيَرُدُّهَا إِلَى فَضْلِهَا ثُمَّ يَهْدِيهَا إِلَى زِيَادَةِ الْفَضَائِلِ مِنْ أَحَاسِنِهَا،
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ»
. فَكَانَ عَطْفُ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لِلثَّنَاءِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ إِيمَانَهُمْ بَاعِثٌ لَهُمْ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَذَلِكَ حَالُ الْمُؤْمِنِينَ حِينَ نُزُولِ السُّورَةِ فَهَذَا الْعَطْفُ عَطْفُ صِفَةٍ كَاشِفَةٍ.
وَلَيْسَ لِانْقِطَاعِ الِاسْتِثْنَاءِ هُنَا احْتِمَالٌ لِأَنَّ وُجُودَ الْفَاءِ فِي قَوْلِهِ: فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ يَأْبَاهُ كُلَّ الْإِبَايَةِ.
وَفُرِّعَ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ يُرَدُّ أَسْفَلَ سَافِلِينَ الْإِخْبَارُ بِأَنَّ لَهُمْ أَجْرًا عَظِيمًا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاء أَفَادَ أَنهم لَيْسُوا بِأَسْفَل سَافِلِينَ فَأُرِيدَ زِيَادَةُ الْبَيَانِ لفضلهم وَمَا أعدلهم.
وَتَنْوِينُ أَجْرٌ لِلتَّعْظِيمِ.
وَالْمَمْنُونُ: الَّذِي يُمَنُّ عَلَى الْمَأْجُورِ بِهِ، أَيْ لَهُمْ أَجْرٌ لَا يَشُوبُهُ كَدَرٌ، وَلَا كَدَرَ أَنْ يُمَنَّ عَلَى الَّذِي يُعْطَاهُ بِقَوْلِ: هَذَا أَجْرُكَ، أَوْ هَذَا عَطَاؤُكَ، فَالْمَمْنُونُ مَفْعُولٌ