بِالْمُسْلِمِينَ إِنْ لَمْ يَصُدَّهُ الْمُشْرِكُونَ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ذِي الْقِعْدَةِ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ «الْبِيُوتَ» فِي الْمَوْضِعَيْنِ فِي الْآيَةِ بِكَسْرِ الْبَاءِ عَلَى خِلَافِ صِيغَةِ جَمْعِ فَعْلٍ عَلَى فُعُولٍ فَهِيَ كَسْرَةٌ لِمُنَاسَبَةِ وُقُوعِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ بَعْدَ حَرَكَةِ الضَّمِّ للتَّخْفِيف كَمَا قرأوا عُيُونٍ [الْحجر: ٤٥] . وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو وَوَرْشٌ عَنْ نَافِعٍ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ بِضَمِّ الْبَاءِ عَلَى أَصْلِ صِيغَةِ الْجَمْعِ مَعَ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِبَعْضِ الثِّقَلِ لِأَنَّهُ لَا يَبْلُغُ مَبْلَغَ الثِّقَلِ الْمُوجِبِ لِتَغْيِيرِ الْحَرَكَةِ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي «الْعَوَاصِمِ» : وَالَّذِي أَخْتَارُهُ لِنَفْسِي إِذَا قَرَأْتُ أَكْسِرُ الْحُرُوفَ الْمَنْسُوبَةَ إِلَى قَالُونَ إِلَّا الْهَمْزَةَ فَإِنِّي أَتْرُكُهُ أَصْلًا إِلَّا فِيمَا يُحِيلُ الْمَعْنَى أَوْ يُلْبِسُهُ وَلَا أَكْسِرُ بَاءَ بُيُوتٍ وَلَا عَيْنَ عُيُونٍ، وَأَطَالَ بِمَا فِي بَعْضِهِ نَظَرٌ، وَهَذَا اخْتِيَارٌ لِنَفْسِهِ بِتَرْجِيحِ بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ الْمَشْهُورَةِ عَلَى بَعْضٍ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ خِلَافُ الْقُرَّاءِ فِي نَصْبِ الْبِرُّ مِنْ قَوْلِهِ: لَيْسَ الْبِرُّ [الْبَقَرَة: ١٧٧] وَفِي تَشْدِيدِ نُونِ لكِنَّ مِنْ قَوْلِهِ: وَلكِنَّ الْبِرَّ.
وَقَوْلُهُ: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أَيْ تَظْفَرُونَ بِمَطْلَبِكُمْ مِنَ الْبِرِّ: فَإِنَّ الْبِرَّ فِي اتِّبَاعِ الشَّرْعِ فَلَا تَفْعَلُوا شَيْئًا إِلَّا إِذَا كَانَ فِيهِ مَرْضَاةَ اللَّهِ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الْمُبْتَدِعِينَ الَّذِينَ زَادُوا فِي الْحَجِّ مَا لَيْسَ مِنْ شَرْعِ إِبْرَاهِيمَ.
وَقَدْ قِيلَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ وُجُوهٌ وَاحْتِمَالَاتٌ أُخْرَى كُلُّهَا بَعِيدَةٌ: فَقِيلَ إِنَّ قَوْلَهُ وَلَيْسَ الْبِرُّ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِمَا كَانُوا يَأْتُونَهُ مِنَ النَّسِيءِ قَالَهُ أَبُو مُسْلِمٍ وَفِيهِ بُعْدٌ حَقِيقَةً وَمَجَازًا وَمَعْنًى لِأَنَّ الْآيَاتِ خِطَابٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُمُ الَّذِينَ سَأَلُوا عَنِ الْأَهِلَّةِ، وَالنَّسِيءُ مِنْ أَحْوَالِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلِأَنَّهُ يَئُولُ إِلَى اسْتِعَارَةٍ غَيْرِ رَشِيقَةٍ، وَقِيلَ: مَثَلٌ ضُرِبَ لِسُؤَالِهِمْ عَنِ الْأَهِلَّةِ مَنْ لَا يَعْلَمُ وَأَمَرَهُمْ بِتَفْوِيضِ الْعِلْمِ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا لِحُصُولِ الْجَوَابِ مِنْ قَبْلُ، وَقِيلَ: كَانُوا يَنْذِرُونَ إِذَا تَعَسَّرَ عَلَيْهِمْ مَطْلُوبُهُمْ أَلَّا يَدْخُلُوا بُيُوتَهُمْ مِنْ أَبْوَابِهَا فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَهَذَا بَعِيدٌ مَعْنًى، لِأَنَّ الْكَلَامَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَسَنَدًا، إِذْ لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ أَنَّ هَذَا سَبَب النُّزُول.
[١٩٠]
[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ١٩٠]
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠)
جُمْلَةُ وَقاتِلُوا مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَلَيْسَ الْبِرُّ [الْبَقَرَة: ١٨٩] إِلَخْ، وَهُوَ اسْتِطْرَادٌ دَعَا إِلَيْهِ اسْتِعْدَادُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute