للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَيْكَ، أَيْ دَارَسْتَ أَهْلَ الْكِتَابِ وذاكرتهم فِي علمهمْ. وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ «دَرَسْتَ» - بِصِيغَةِ الْمَاضِي وَتَاءِ التَّأْنِيثِ- أَيِ الْآيَاتِ، أَيْ تَكَرَّرْتَ.

وَأَمَّا اللَّامُ فِي قَوْلِهِ: وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ فَهِيَ لَامُ التَّعْلِيلِ الحقيقيّة. وَضمير لِنُبَيِّنَهُ عَائِدٌ إِلَى الْقُرْآن لأنّه مَا صدق الْآياتِ، وَلِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنَ السِّيَاقِ.

وَالْقَوْمُ هُمُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا وَآمَنُوا كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [الْأَنْعَام: ٩٧] ، وَالْكَلَامُ تَعْرِيضٌ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذَا التَّصْرِيفَ حَصَلَ مِنْهُ هُدًى لِلْمُوَفَّقِينَ وَمُكَابَرَةٌ لِلْمَخَاذِيلِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ [الْبَقَرَة: ٢٦] .

[١٠٦، ١٠٧]

[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : الْآيَات ١٠٦ إِلَى ١٠٧]

اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (١٠٦) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (١٠٧)

اسْتِئْنَافٌ فِي خِطَابِ النَّبِيءِ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لِأَمْرِهِ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ بُهْتَانِ الْمُشْرِكِينَ وَأَنْ لَا يَكْتَرِثَ بِأَقْوَالِهِمْ، فَابْتِدَاؤُهُ بِالْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْمُقَدِّمَةِ لِلْأَمْرِ بِالْإِعْرَاضِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَيْسَ هُوَ الْمَقْصِدُ الْأَصْلِيُّ مِنَ الْغَرَضِ الْمَسُوقِ لَهُ الْكَلَامُ، لِأَنَّ اتّباع الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ أَمْرٌ وَاقِعٌ بِجَمِيعِ مَعَانِيهِ فَالْمَقْصُودُ مِنَ الْأَمْرِ الدَّوَامُ عَلَى اتِّبَاعِهِ. وَالْمَعْنَى: أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ اتِّبَاعًا لِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ.

وَالْمُرَادُ بِمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ الْقُرْآنُ.

وَالِاتِّبَاعُ فِي الْأَصْلِ اقْتِفَاءُ أَثَرِ الْمَاشِي، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْعَمَلِ بِمِثْلِ عَمَلِ الْغَيْرِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ [التَّوْبَة: ١٠٠] . ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي امْتِثَالِ